*
الجمعة: 18 تموز 2025
  • 03 تموز 2025
  • 21:37
امتحان المقدّرين العقاريين في الأردن… مهنة تحتاج إلى مرجعيات علمية وتأهيل حقيقي
الكاتب: الدكتور غسان العذاربة

يُعد قطاع التقدير العقاري أحد المرتكزات الأساسية لدعم المنظومة العقارية في المملكة الأردنية الهاشمية، حيث يرتبط مباشرةً بعمليات البيع والشراء والرهن والاستثمار، ويُعدّ حجر الزاوية لضمان العدالة وتوفير الثقة بين الأطراف كافة. ورغم الأهمية المحورية لمهنة التقدير العقاري، إلا أن واقع امتحان المقدّرين العقاريين، الذي يُعقد سنويًا بموجب نظام المقدّرين العقاريين وتسجيلهم، يكشف عن فجوة عميقة في مرجعياته العلمية وآلياته المعتمدة.

فمن المؤسف أن هذا الامتحان، الذي يُعد بوابة رسمية لدخول هذه المهنة الفنية الدقيقة، لا يستند إلى مصادر علمية حديثة ولا إلى مراجع أكاديمية رصينة، إذ تفتقر الجهات المعنية والجامعات الأردنية إلى تبنّي برامج تعليمية متخصصة في مجالات التقدير العقاري، أو حتى في حقول حيوية مرتبطة به مثل التسويق العقاري، الوساطة العقارية، والمساحة. الأمر الذي ينعكس سلبًا على جودة المخرجات ويضعف القدرة التنافسية للمقدّرين العقاريين الأردنيين محليًا وإقليميًا.

ويُلاحظ أن القطاع العقاري، رغم مساهمته الكبيرة في الناتج المحلي الإجمالي وتحريكه لعشرات القطاعات المساندة، لا يحظى بما يستحق من اهتمام على مستوى التأهيل الأكاديمي أو التدريب المهني، إذ يكاد يخلو من برامج دراسات عليا متخصصة أو مساقات علمية متكاملة في الجامعات الأردنية، كما لا توجد مراكز أبحاث عقارية تواكب التطورات العالمية في هذا المجال أو تُعنى بإعداد أدلة ومعايير وطنية حديثة.

إن إصلاح واقع امتحان المقدّرين العقاريين يتطلب اليوم خطوات جادة، تبدأ بتأسيس مرجعيات أكاديمية متكاملة ومصادر تعليمية موثوقة، ووضع مناهج تدريبية موحدة تستند إلى المعايير الدولية وأفضل الممارسات المعتمدة عالميًا. كما يستوجب إعادة النظر في آلية تصميم الامتحان نفسه، ليقيس الكفايات والمهارات الفعلية للمقدّرين من منظور علمي ومهني، لا أن يكون اختبارًا تقليديًا يفتقر إلى الرؤية العصرية والأبعاد التطبيقية.

ومن هنا، فإن الواجب الوطني والمسؤولية المؤسسية تقع على عاتق الجهات الرسمية المعنية، ولا سيما دائرة الأراضي والمساحة، ووزارة التعليم العالي، والجامعات الأردنية، وكذلك الجمعيات المهنية ذات العلاقة، لتتكاتف جهودها في بناء منظومة علمية متكاملة لمهنة التقدير العقاري، وتوفير مصادر تعليمية وتدريبية متاحة للممتحَنين، وتطوير محتوى الامتحانات وأسس إعدادها، بما يسهم في رفد السوق العقاري بكفاءات مؤهلة تمتلك أدوات علمية رصينة ومهارات ميدانية قادرة على خدمة هذا القطاع الحيوي بمهنية واقتدار.

إن مستقبل التقدير العقاري في الأردن يتطلب منا أن نؤمن بأن التطوير الحقيقي يبدأ من قاعات المحاضرات وقاعات الامتحانات على حدٍ سواء. فمن هنا فقط ننطلق نحو بناء ثقة مجتمعية واقتصادية راسخة، ونرسّخ مهنة لا غنى عنها لتحقيق العدالة العقارية وتفعيل الاستثمار المستدام.

 

مواضيع قد تعجبك