خبرني - في شرق الأردن، نجد ما هو أبعد من مجرد بئر غاز جديد بدأ بضخ إنتاجه. ما يحدث في حقل الريشة اليوم هو في جوهره إعادة تعريف لعلاقة الدولة بأحد أعمق تحدياتها، تحدي الطاقة و التعطش للطاقة المحلية الوطنية.
هذا ليس مجرد خبر عن توفير بضعة ملايين في فاتورة الاستيراد، مع أهمية ذلك بالتأكيد. النقطة الجوهرية هنا هي الأثر الاستراتيجي الذي يمتد إلى ما هو ابعد و اعمق من قطاع الطاقة نفسه. عندما تمتلك جزءًا من قرارك في مجال الطاقة، فأنت لا تشتري الغاز فقط، بل تشتري درجة من الاستقلالية الاقتصادية. هذا تحديدا ما يمثله إنتاج 40 مليون قدم مكعب يوميًا. ليس رقمًا ضخمًا مقارنة بالاستهلاك الكلي، لا، لكنه "كتلة حرجة" من الإنتاج المحلي تمنح صانع السياسات ورقة لم تكن موجودة على طاولته من قبل. ورقة تسمح بالتفاوض من موقع أفضل وبثقة اكبر و تنازلات أقل، وتخفف من وطأة الصدمات التي تهز أسواق الطاقة العالمية وتصل ارتداداتها إلى ميزانيتنا في الأردن مباشرة.
الأثر يمتد ويتشعب. فكر في القطاع الصناعي الذي ظل لسنوات يئن تحت وطأة تكاليف الكهرباء. توفير غاز محلي يعني نظريًا وعمليًا بداية مسار لخفض هذه التكاليف، وتحسين قدرة المصانع الأردنية على المنافسة. هذا ليس ترفًا، بل هو شرط أساسي لتحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي التي تتحدث عن رفع مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الاجمالي. المستثمر، سواء كان محليًا أو أجنبيًا، يراقب هذا التطور بعين الاهتمام. فوجود مصدر طاقة وطني يقلل من مخاطر الدولة في حساباته، ويجعل قرار ضخ الأموال في مشروع صناعي جديد في الأردن أكثر منطقية وجاذبية.
وربما تكون النقطة الأكثر عمقًا، وغالبًا ما يتم إغفالها، هي بناء المعرفة. أن تقوم شركة البترول الوطنية، بكوادرها الأردنية، بإدارة هذا الملف وتحقيق هذه القفزة في الإنتاج، فهذا يعني أننا نبني خبرة حقيقية على أرضنا خبرة وطنية. هذه الخبرة هي الأصل الأغلى على المدى الطويل. هي التي ستمكننا من إدارة مشاريع أكبر وأكثر تعقيدًا في المستقبل، سواء في الطاقة أو غيرها.
ما يفعله حقل الريشة هو تحويل مورد طبيعي من مجرد سلعة إلى أداة سياسة اقتصادية فعالة. إنه يغذي شبكة الكهرباء، جزما، ولكنه في الوقت ذاته يغذي الثقة في الاقتصاد، ويمنح الصناعة أكسجينًا للتنافس، ويبني أساسًا لمستقبل أقل اعتمادًا على تقلبات الخارج.




