*
الاثنين: 15 ديسمبر 2025
  • 14 حزيران 2025
  • 21:23
عمان العاصمة مدينة ليست من حجر بل من بشر فهل نخطط لحمايتهم
الكاتب: الدكتور زيد احمد المحيسن

خبرني - عمان ليست مجرد طوبٍ وإسمنت وأبراجٍ تعانق السماء، بل هي جسد حيّ تنبض في شرايينه أرواح أهلها، من سكنوا حاراتها القديمة وتعلّقوا بذاكرتها، ومن جاءوها فارّين من لهب الحروب فوجدوا فيها دفئًا مؤقتًا. هي مدينة تصحو كل صباح على ضجيج أطفال المدارس، وصخب الأسواق، ووجوه البسطاء الذين يصنعون الحياة بعرقهم وأملهم. ومع ذلك، يبقى السؤال الأصعب والأكثر إحراجًا: هل نخطط فعلاً لحمايتهم؟ هل نمنحهم ما يستحقون من كرامة وحقّ في البقاء الآمن داخل هذه المدينة التي يحبونها ولا يعرفون كيف تحميهم؟
أنا على يقين لا يتزعزع بأن العلاقة بين المواطن ومدينته، في عمّان وغيرها من العواصم، ليست علاقة تشاركية متبادلة، بل علاقة مشوّهة يغلب عليها الطابع المادي والاستغلالي. المواطن يُستدعى فقط عندما يُطلب منه أن يدفع – ضرائب، فواتير، مخالفات – لكنه لا يُستشار، لا يُشرك، ولا يُعدّ شريكًا حقيقيًا في صناعة القرار أو في تخطيط السياسات، خصوصًا وقت الأزمات والكوارث. لا يعرف المواطن ماذا يفعل في حال وقعت الحرب، لا يملك دليلاً إرشاديًا، ولا تُعقد له تدريبات، ولا يسمع له صوت في غرف الطوارئ. إنه مغيّب كليًا، وكأنه طارئ على المدينة لا جزء أصيل فيها. جيبه فقط حاضر في المعادلة، أما جسده وعقله وروحه، فهي غائبة لا تُحسب لها أي حساب.
وإذا كانت المدينة، كما ندّعي، تُبنى من أجل الإنسان، فأين هو الإنسان في تخطيطها؟ كيف نطالب المواطن بأن يكون "جزءًا من الحل"، ونحن لم نمنحه فرصة أن يفهم ما يجري في مدينته؟ لقد بات واضحًا أن عمّان، رغم استقرارها النسبي، تعاني من غياب رؤية متكاملة لحماية الإنسان أثناء الأزمات. فلا ملاجئ عامة يمكن اللجوء إليها، ولا خطط طوارئ معروفة، ولا أجهزة مدنية جاهزة للاستجابة السريعة. كل شيء يبدو مرتجلًا، مؤجلًا، وكأن المدينة تُدار بمنطق الانتظار لا الاستباق.
ومع ازدياد التهديدات التي تحيط بنا، إقليميًا ودوليًا، آن الأوان أن نعيد تعريف العلاقة بين المدينة وساكنيها، وأن نكسر هذا الجدار الصامت بين المواطن وصانع القرار. الأمن لا يُشترى فقط بالتجهيزات العسكرية، بل يُبنى يومًا بعد يوم عبر تمكين الناس من فهم دورهم، عبر التربية المدنية، الإعلام المسؤول، والتخطيط الشفاف الذي يضع المواطن في قلب المعادلة.
إن عمان، هذه المدينة التي نعشقها رغم ثغراتها، تستحق أكثر من مجرد شعارات. تستحق أن نحميها فعلاً بحماية أهلها، وأن نراها مدينة تشعر بنا ونشعر بها. مدينة نقف فيها على قدم المساواة أمام المسؤولية، لا مجرد ساحة يُستخدم فيها الإنسان لتمويل مشاريع لا يعلم عنها شيئًا، أو يُترك وحيدًا في لحظة الخطر دون درع ولا دليل.
فالمدن – كل المدن – لا تُقاس بعلوّ أبنيتها، بل بقدرتها على احتضان الإنسان وحمايته في الشدائد. وعمان، إن أرادت أن تكون مدينة حقيقية، فعليها أن تبدأ من الأساس الذي لا يُبنى بالحجر، بل بالبشر..

مواضيع قد تعجبك