*
الاربعاء: 17 ديسمبر 2025
  • 16 نيسان 2013
  • 00:57
إشهار الذمة المالية للنواب والوزراء الجدد
الكاتب: د. ليث كمال نصراوين
إشهار الذمة المالية للنواب والوزراء الجدد
رغم مضي أكثر من شهرين على إعادة تشكيل مجلس النواب السابع عشر، إلا أن الجهات ذات الصلة لم تبادر بعد إلى تفعيل أحكام قانون إشهار الذمة المالية الأردني رقم (54) لسنة 2006 الذي يلزم المكلفين بأحكامه بتقديم إقرارات الذمة المالية الخاصة بهم وزوجاتهم وأولادهم القصر إلى دائرة إشهار الذمة المالية في وزارة العدل. إن المادة (4) من قانون إشهار الذمة المالية قد ألزمت الجهات التي يتبع إليها المكلفون بإشهار ذممهم المالية بتزويد دائرة إشهار الذمة المالية بأسماء الأشخاص التابعين لها الذين تسري عليهم أحكام القانون وذلك خلال شهرين من تاريخ شمولهم بأحكامه، وهو ما يسري على النواب الجدد في المجلس السابع عشر الذين مضى عدة أشهر على انتخابهم ووزراء حكومة النسور الثانية، حيث لم نسمع بعد عن أي إجراءات خاصة قد اتخذت للبدء بإشهار ذممهم المالية الخاصة بهم وزوجاتهم وأولادهم القصر وفق أحكام القانون. إن الهدف الذي من أجله تم إصدار قانون إشهار الذمة المالية يتمثل في تحقيق أقصى درجات الشفافية والعلنية في العمل النيابي والحكومي وذلك من خلال منع التعارض بين مصالح النواب والوزراء المالية وبين العمل العام. إلا أن هذه الغاية قد أفرغت تماما من مضمونها في ظل البطء "السلحفائي" في إجراءات إشهار الذمة المالية للنواب الجدد الذين شرعوا في ممارسة عملهم التشريعي من خلال إقرار العديد من مشاريع القوانين، والرقابي من خلال توجيه الأسئلة والاستجوابات وطلبات المناقشة العامة إلى السادة الوزراء. إلا أنه وفي ظل هذا الزخم في العمل النيابي تغيب النزاهة والشفافية بسبب تأخر النواب في إشهار ذممهم المالية. وحتى حكومة الدكتور عبد الله النسور الجديدة والتي يفترض أن تباشر مهامها الدستورية بشكل كامل بعد حصولها على ثقة مجلس النواب على بيانها الوزاري، فإن إجراءات الكشف عن الذمم المالية للوزراء الجدد لم تبدأ بعد. وعندما تشرع دائرة إشهار الذمة المالية في تفعيل نصوص القانون فإن المشكلة الأساسية تكمن في إلزام المكلفين بإعادة نماذج الذمة المالية معبأة ضمن المدة القانونية. فالتساهل في متابعة شؤون الخاضعين لأحكام القانون من قبل الدائرة المختصة قد أثر سلبا على هيبتها، ذلك على خلاف بعض الهيئات والدوائر الأخرى التي أصبح مجرد ذكر اسمها أمام المسؤولين كافيا لزرع الخوف والرهبة في قلوبهم. فلم نسمع يوما عن قيام تلك الدائرة بتحويل أي نائب أو وزير متخلف عن إشهار ذمته المالية إلى القضاء، بل كان يقتصر الأمر دائما على التلويح بذلك في الصحف اليومية وأمام وسائل الإعلام. وعلى الفرض الساقط أن السادة النواب والوزراء قد التزموا بتقديم كشوفات الذمة المالية الخاصة بهم في أوقاتها القانونية، فإن المشكلة الأخرى تكمن في آلية التعامل مع تلك الإقرارات التي أضفى عليها القانون هالة من السرية غير المبررة، حيث يشترط القانون أن تحفظ تلك النماذج في ظرف مختوم وسري يوضع في خزانات خاصة في وزارة العدل لا يتم فتحها أو الاطلاع على محتواها إلا بعد ورود شكوى خطية حول تنازع مصالح أحد النواب أو الوزراء المالية مع واجباته العامة. فمثل هذا الإجراء يعد قصورا في مفهوم إشهار الذمة المالية ومن شأنه أن يلغي الغاية من الإفصاح عن أموال وممتلكات المكلفين والتي لن تتحقق في ظل بقاء كشوفات الذمم المالية في ظروف مغلقة في خزائن موصدة واعتبارها من الأسرار التي يحظر نشرها أو إفشاؤها، فتحول بذلك قانون إشهار الذمة المالية إلى قانون إخفاء الذمة المالية. ولا تكمن مشكلة إشهار الذمة المالية بضمان احترام النواب والوزراء الجدد لأحكام القانون وفي سرية الكشوفات والنماذج المعادة إلى دائرة إشهار الذمة المالية فحسب، بل إنها تتعداها إلى عدم تفعيل نصوص القانون فيما يتعلق بالنواب والوزراء السابقين الذين يلزمهم القانون بتقديم كشوفات ذممهم المالية بصورة دورية عند تركهم الوظيفة النيابية والحكومية وزوال الصفة عنهم. فامتداد نطاق قانون إشهار الذمة المالية ليشمل النواب والوزراء السابقين سليم من حيث المبدأ لضمان عدم استغلال أولئك الأشخاص للمنصب الوزاري والنيابي بعد زوال الصفة عنهم. إلا أنه ورغم مرور سنين طوال على إنشاء دائرة إشهار الذمة المالية، فإننا لم نسمع عن أي وزير أو نائب سابق قد التزم بهذا الإجراء. كما أننا لم نسمع عن قيام الدائرة المختصة بمتابعة أصحاب المعالي والسعادة السابقين لإلزامهم بتقديم نماذج إشهار ذممهم المالية بعد تركهم العمل العام. وهنا نرى أنه من الضروري الإشارة إلى أن قانون إشهار الذمة المالية يفتقر لنصوص قانونية واضحة لتفعيل هذا الإجراء وأهمها عدم تحديد فترة زمنية معينة يجب خلالها على الوزير والنائب السابق الاستمرار في تقديم نماذج إشهار ذممهم المالية. وقد حاولت حكومة الدكتور عبد الله النسور الأولى التصدي للصعوبات القانونية التي تحول دون التطبيق السليم لإشهار الذمة المالية وذلك من خلال إقرار مشروع قانون الكسب غير المشروع الذي سيحل محل قانون إشهار الذمة المالية الحالي عند إقراره. إلا أن المتتبع لأحكام ذلك المشروع يجد أن "الحسنة" الوحيدة والإضافة التي تضمنته تقتصر فقط على إلغاء دائرة إشهار الذمة المالية والاستبدال بها دائرة منع الكسب غير المشروع. أما باقي الإجراءات الخاصة بمنع الكسب غير المشروع فقد أبقى مشروع القانون على الإجراءات ذاتها التي تطبقها دائرة إشهار الذمة المالية والتي ثبت عدم جدواها وفعاليتها في تحقيق الهدف المنشود منها. إن معالجة القصور في إشهار الذمة المالية يتطلب وبالدرجة الأولى التخلي عن مبدأ قدسية إقرارات الذمة المالية واستبداله بعنصري العلانية والشفافية لتحقيق الغاية من الكشف عن مصالح النواب والوزراء المالية. كما يجب إعادة النظر في آلية إلزام النواب بتقديم إقراراتهم المالية طيلة فترة خضوعهم لأحكام القانون وبعد زوال الصفة النيابية عنهم. فالدورية التي حددها القانون الحالي ومشروع القانون الجديد لتقديم النواب لإقرارات ذممهم المالية وذلك خلال شهر كانون الثاني الذي يلي انقضاء سنتين على تقديم الإقرار السابق يجب إعادة النظر فيها بحيث يكون النائب ملزما بتقديم إقراراته المالية التي تشمل زيادة في ذمته المالية عند حصولها وفي أي وقت كان شهريا أو أسبوعيا أو حتى يوميا إذا ما اقتضت الحاجة لذلك. فالنائب الذي يتعامل يوميا بالأسهم ويحقق زيادة في ماله ومال أولاده القصر يجب أن يكشف عن تلك الزيادة في ذمته المالية بمجرد حصولها خاصة إذا ما كانت تلك الأسهم في شركات خاصة متعاقدة مع الحكومة أو لها مصلحة في مشروع قانون تجري مناقشته أو التصويت عليه داخل مجلس النواب. لذا فقد كان الأجدر بمشروع قانون الكسب غير المشروع أن يعالج الأسباب التي أدت إلى فشل قانون إشهار الذمة المالية والدائرة التي أنشأها بدلا من الإبقاء على الأحكام نفسها وتغيير المسميات فقط. فالمشكلة التي ستواجه دائرة منع الكسب غير المشروع هي ذاتها التي تواجهها الآن دائرة إشهار الذمة المالية والتي تتمثل في غياب أي دافع أو وازع داخلي لدى الأشخاص الخاضعين لأحكام القانون بأهمية إشهار أموالهم وممتلكاتهم الخاصة بهم لتحقيق الشفافية والحيادية في العمل العام. فأي قانون خاص بالكسب غير المشروع أو بإشهار الذمة المالية يجب أن يكون ذا طبيعة خاصة وأن يختلف كل الاختلاف عن القوانين الأخرى من حيث إن الجزاء يجب أن لا يكون السبب الأساسي للالتزام بنصوصه وأحكامه، بل لا بد من وجود إرادة داخلية وتلقائية عند السادة المكلفين بالكشف عن ذممهم المالية قبل الالتزام بحرفية النصوص القانونية، وهو ما من شأنه أن يبلور ثقافة عامة لدى المكلفين ليس فقط بضرورة الإسراع في الإشهار عن أموالهم ومصالحهم المالية الخاصة، بل بالإفصاح الدوري عن أية زيادة أو تغيير في طبيعة وحجم تلك الأموال والمنافع طيلة فترة خضوعهم لأحكام القانون. * أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية [email protected]

مواضيع قد تعجبك