*
السبت: 13 ديسمبر 2025
  • 26 نوفمبر 2025
  • 13:21
حين زارت الملكة رانيا العبدالله الجامعة الأردنية ازدهر المكان ونهضت الأرواح
الكاتب: د. بثينة محادين

خبرني - لم تكن زيارة الملكة رانيا العبدالله للجامعة الأردنية يوم أمس حدثاً عابراً يُسجَّل في سجلات الأخبار، بل كانت لحظة استثنائية تُضاف إلى ذاكرة المكان وتستقر في وجدان من شهدها. ومن يكتب عن تلك الزيارة لا يكتب عن بروتوكولٍ ملكي، بل عن إحساسٍ عميق تولّد من اللحظة الأولى التي دخلت فيها جلالتها الحرم الجامعي، وأعادت لأرضه وهجه، ولقلوبه دفقه الأول.

منذ أن توقفت السيارة الملكية أمام أروقة الجامعة، بدا وكأن الزمن يتهيأ لها: الهواء ألطف، الخطوات أهدأ، والوجوه تنتظر شيئاً يشبه الضوء. وعندما ظهرت جلالتها، لم يكن الحضور مجرّد ملكة تمشي، بل امرأة تحمل في عينيها احتراماً للتعليم، وفي ابتسامتها ثقة بوطن يُبنى من قلوب شبابه.

 

حضور يلمس القلوب قبل الأبواب

ما لفتني في هذه الزيارة، وما سيبقى عالقاً في ذاكرتي، ليس الكلمات التي قيلت، بل الطريقة التي أحاطت بها المكان. كانت تسير بين الطلبة وكأنها تعرف كل واحد منهم، وكأنها تقرأ قلقهم، أحلامهم، وطموحاتهم المخبوءة تحت ثقل الأيام الدراسية.

لم تحمل نفسها كضيفة، بل كجزء من الجامعة، كمن يعود إلى مكان يحبه ويعرفه. وفي كل خطوة كانت تضيف معنى جديداً:

أن التعليم ليس مبنى، بل روح؛

وأن الطالب ليس رقماً، بل مستقبل؛

وأن الجامعة ليست مؤسسة، بل بيت كبير يحتضن الجيل القادم.

 

بين الرقمنة والإنسانية… كانت الرسالة واحدة

وإن كانت الزيارة تحمل جانباً تقنياً يتعلّق برقمنة المحتوى وتطوير التعليم، فإنّ المعنى الأعمق كان إنسانياً.

كانت جلالتها تتأكد من أن التطوير لا يفقد التعليم روحه، وأن التقدّم لا يطغى على الإنسان، وأن التكنولوجيا يمكن أن تكون جسراً نحو فهمٍ أعمق لا بديلاً عن المعلم والطالب.

وفي كل وقفة لها أمام مشروع أو مبادرة، نشعر بأن اهتمامها لا ينبع من واجب منصب، بل من قناعة أم واثقة بأن شباب الأردن يستحقون الأفضل دائماً.

 

هيبة لا تُفرض… بل تُلهم

ما يميز الملكة رانيا أنها لا تحتاج لرفع الصوت كي يسمعها الجميع، ولا للزخرفة كي يلتفت إليها أحد. في حضورها هيبة هادئة، وأدب جميل، ووقار ينساب دون جهد.

هيبة تشبه حضور الورد، لا يصنع ضجيجاً، لكنه يترك أثراً لا يُنسى.

ولذلك كان الطلبة ينظرون إليها بإعجاب يمزج بين الاحترام والامتنان، والفخر.

والطالبات يبتسمن ويتأملنها بنظرة تشبه نظرة المرآة… وكأن بينهن وبين الملكة خيطاً خفياً من التشابه، كأن كل واحدة فيهن رأت في الملكة نسخة مما يمكن أن تصبح عليه يوماً: قوة، وأناقة، وصوت ينهض بالخير.

والقدرة على أن يحملن الوطن بخفة ووقار في آن واحد.

 

زيارة قصيرة… وأثر طويل

مضت الزيارة سريعاً، لكن أثرها لم يغادر المكان.

بقي معلقاً في المساحات المفتوحة، في الممرات التي عبرتها، وفي الحديث الهادئ الذي تسرّب بين الطلبة بعدها.

بعد أن غادرت جلالتها، بقي الصدى، ليس صدى التصفيق أو ضجيج الكاميرات، بل صدى الدفء.

ذلك الذي يبقى عالقاً في الممرات، على المقاعد، وفي قلوب الأساتذة والطلبة، وكأن المكان كلّه أخذ نفساً عميقاً ثم قال لنفسه:

ما زال في هذا الوطن ما يجعلنا نُحبّ الغد.

كانت زيارة قصيرة في ظاهرها، لكن في داخلها عمرٌ كامل من المعاني.

زيارةٌ أعادت للجامعة صوتها، وللشباب ثقتهم، وللمكان جماله الذي لا يظهر إلا حين تمرّ به شخصية تصنع الأثر دون أن تتكلفه.

مواضيع قد تعجبك