*
الثلاثاء: 16 ديسمبر 2025
  • 08 نوفمبر 2025
  • 10:58
العيش المشترك فلسفة أردنية بحضارة إنسانية
الكاتب: الدكتور زيد أحمد المحيسن

خبرني - في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتعدد فيه الهويات وتتشابك المصالح، يبقى العيش المشترك القيمةَ الأسمى التي تحفظ للإنسان إنسانيته، وللوطن وحدته وسلامه. فالعيش المشترك ليس شعارًا يُرفع في المناسبات، بل هو نهج حياةٍ يؤمن بأن الاختلاف لا يعني الخلاف، وأن التنوّع مصدرُ قوةٍ وغنى لا سببُ فرقةٍ وعداء. إنّه فلسفة قائمة على أن يعيش الإنسان مع أخيه الإنسان بسلامٍ واحترامٍ وتعاون، مهما اختلفت المعتقدات وتباينت الثقافات.
وفي الأردن، هذا الوطن الصغير بحجمه، الكبير برسالته، تتجلّى هذه الفلسفة واقعًا حيًّا في تفاصيل الحياة اليومية؛ حيث تلتقي المآذن بأجراس الكنائس في تناغمٍ فريد، يرسم لوحةً إنسانية عنوانها المحبة والوحدة الوطنية. هنا لا يسأل الجارُ جاره عن دينه، ولا يفرّق القلب بين ابن الشمال أو ابن الجنوب، او ابن الشرق وابن الغرب  فالكل أردني، والكل شريك في بناء هذا البيت الكبير الذي اسمه الوطن.
لقد قاد الهاشميون — منذ نشأة الدولة — هذا النهج الإنساني النبيل، فكانت رسالة عمّان منارةً للعالم، تُظهر وسطية الإسلام وسماحته، وجاءت مبادرة أسبوع الوئام بين الأديان لتجعل من الأردن مركزًا عالميًا للحوار والتفاهم. وفي ظل هذا الفكر المستنير، تربّى الأردنيون على أن المواطنة لا تُقاس بالدين أو العرق، بل بالمسؤولية والانتماء والعطاء.
العيش المشترك في الأردن ليس فكرةً مثاليةً تُقال، بل ممارسةٌ يوميةٌ تُرى في المدرسة، في الجامعة، في الشارع، في الجيش والمستشفى والمصنع؛ حيث يعمل الجميع كتفًا إلى كتف من أجل خدمة الوطن. فهنا يتجلّى المعنى الحقيقي للمواطنة، حيث لا مكان للتعصب، ولا مساحة للكراهية، لأن الإنسان أغلى ما نملك، ولأن احترامه هو جوهر وجودنا.
ولعلّ أعظم ما يميز التجربة الأردنية أنها لم تُبْنَ على الشعارات، بل على القيم المتجذّرة في وجدان الناس، قيمِ العدالة والتسامح والإخاء. فالأردني حين يختلف مع أخيه، لا يخاصمه في الوطن، بل يتحاور معه من أجل الوطن. وهكذا يستمر هذا البلد في تقديم نموذجٍ متوازنٍ في منطقةٍ مضطربة، لأنه اختار طريق العقل والحكمة لا طريق العصبية والانقسام.
إنّ فلسفة العيش المشترك هي فلسفة احترام الحياة ذاتها؛ أن ترى في الآخر امتدادًا لك، لا خصمًا منك، وأن تدرك أنّ الأديان جميعها جاءت لترسخ قيم الخير والعدل والسلام. وحين يترجم الإنسان هذه الفلسفة سلوكًا يوميًا، يتحول المجتمع إلى حديقةٍ مزهرةٍ، يختلف لون أزهارها لكن عطرها واحد: عطر الإنسانية..
وفي نهاية المطاف ، يظل الأردن مثالًا ناصعًا على أنّ الوحدة ليست تماثلًا، بل تناغمٌ جميلٌ بين المختلفين، وأن العيش المشترك ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية تحفظ للأوطان أمنها، وللناس كرامتهم، وللأجيال القادمة مستقبلها.
هكذا نعيش في الأردن، لا كغرباء يتقاسمون أرضًا، بل كأخوةٍ يتشاركون قلبًا واحدًا اسمه الوطن.

مواضيع قد تعجبك