*
الاحد: 28 ديسمبر 2025
  • 24 أيار 2025
  • 13:01
في ذكرى الاستقلال  الأردن  دولة فكر الاصالة والمعاصرة
الكاتب: الدكتور زيد احمد المحيسن

خبرني - تتجلى المملكة الأردنية الهاشمية كنموذج فريد في العقل السياسي العربي، إذ استطاعت عبر تاريخها المعاصر أن تصوغ فكرًا سياسيًا خاصًا بها، يجمع بين الأصالة والحداثة، بين الثبات على المبادئ والانفتاح على المتغيرات، في توازن دقيق عزّ نظيره في محيطها الإقليمي المتقلب. فكر الدولة الأردنية ليس وليد الصدفة ولا نتيجة ظرف آني، بل هو امتداد لتجربة هاشمية عميقة الجذور، تستمد مشروعيتها من نسبها النبوي، ومن دورها التاريخي في بناء الدولة العربية الحديثة، ومن وعيها الدستوري المبكر الذي أرسى معالم دولة مؤسسات وقانون، تحترم التعدد، وتؤمن بالحوار، وتنهض على قيم العدل والاعتدال.
ويكتسب هذا الفكر بُعدًا خاصًا عندما نتأمله في سياق ذكرى الاستقلال، ذلك اليوم المجيد، الخامس والعشرون من أيار، الذي لم يكن مجرد تحرر من قيد الانتداب، بل كان لحظة ولادة فكر جديد، وميلاد دولة نذرت نفسها لمشروع حضاري عربي إسلامي إنساني. لقد كان الاستقلال في الأردن بداية الوعي بالذات، والتأسيس لهوية وطنية قائمة على السيادة والكرامة والاعتماد على النفس. ومنذ تلك اللحظة، لم يكن بناء الدولة مجرد شعارات، بل نهجًا يوميًا عكسته سياسات معتدلة، وخيارات عقلانية، ورؤية متزنة لما يجب أن تكون عليه الدولة الحديثة في عالم مضطرب.
لقد تبنّت الدولة الأردنية منذ تأسيسها نهجًا سياسيًا يقوم على الاتزان، فكان خطابها الرسمي متزنًا، وسياساتها متروية، لا تميل إلى المغامرة ولا ترتهن إلى الاستقطاب. ويعود ذلك إلى جوهر الفكر الهاشمي الذي يرى في الوسطية منهجًا للقيادة، وفي التسامح أداة للحكم الرشيد، وفي بناء الإنسان عمادًا لبناء الوطن. من هنا، فإن الفكر الأردني هو فكرٌ واقعي عقلاني، ينطلق من معرفة دقيقة بمعطيات الجغرافيا السياسية التي تحيط بالأردن، ومن فهم عميق لتعقيدات الداخل وتركيبته السكانية والاجتماعية.
إن تمسّك الدولة الأردنية بالشرعية الدستورية، واعتمادها على  نيابية  ملكية دستورية، لم يكن مجرد شكل من أشكال الحكم، بل خيارًا فكريًا مقصودًا، يعكس رؤية ترى في القانون المرجعية الأعلى، وفي الشراكة السياسية ضمانة للاستقرار. فالدولة التي توازن بين سلطات ثلاث، وتفتح المجال أمام التعددية السياسية، وتحتكم إلى القضاء المستقل، تؤمن في جوهرها بأن القوة الحقيقية لا تكون بالقهر، بل بالشرعية والمشاركة والرضا العام.
كما يتجلى الفكر الأردني في حرص الدولة على تبنّي الإسلام المعتدل، الرافض للغلو والتكفير، والمنفتح على العالم، دون تفريط بالهوية أو انسلاخ عن القيم. فالدولة الهاشمية، بما لها من رمزية دينية، جعلت من نفسها  راعية وحامية للقدس والمقدسات، ووسيطًا نزيهًا في قضايا الأمة، ومركزًا لحوار اتباع  الأديان والثقافات. ولم يكن ذلك مجرد تموضع دبلوماسي، بل انعكاسًا لفكر يرى في الدين مصدرًا للقيم الجامعة، لا أداة للفرقة والانقسام.

وفي الاقتصاد، سعت الدولة إلى الانفتاح المدروس، وتشجيع الاستثمار، وبناء بيئة تشريعية حاضنة للنمو، إدراكًا منها بأن الاستقلال لا يكتمل إلا بسيادة القرار الاقتصادي، وببناء نموذج إنتاجي مستدام يصون الكرامة الإنسانية ويكافح الفقر والبطالة. فجاءت برامج التحديث كامتداد طبيعي لفكر بدأ يوم قرر الأردنيون أن تكون لهم دولتهم، وأن يصوغوا مصيرهم بإرادتهم.
إن فكر الدولة الأردنية، كما أرسته القيادة الهاشمية عبر أجيالها، ليس خطابًا نظريًا معزولًا عن الواقع، بل ممارسة يومية، تتجلى في إدارة الأزمات، وصياغة السياسات، وبناء التحالفات. ومن هنا، فإن سر بقاء الأردن متماسكًا رغم التحديات الكبرى، يكمن في هذا الفكر العقلاني المتوازن، الذي لم ينجرف إلى التطرف، ولم يخضع للابتزاز، بل ظل أمينًا لرسالته: دولة عربية إسلامية إنسانية ، تستند إلى الشرعية، وتحكم بالعقل، وتسعى للخير، وتحترم الإنسان.
في يوم الاستقلال، حين نرفع العلم ونحيي النشيد، فإننا لا نحتفل بماضٍ عابر، بل نُجدّد عهد الفكر، ونؤكد أن المسيرة مستمرة، وأن الأردنيين، بقيادتهم الهاشمية، ماضون في صناعة الغد، كما صنعوا الأمس، بإيمان راسخ، وعقل مستنير، وإرادة لا تلين..

مواضيع قد تعجبك