*
الخميس: 15 أيار 2025
  • 07 أيار 2025
  • 22:04
دور الابتكار السياحي في السردية الأردنية  من عبق التاريخ إلى عمق التجربة
الكاتب: ابراهيم النبالي

 في عالم أصبحت فيه القيمة المضافة في السياحة لا تُقاس بعدد الزوار فقط، بل بعمق التجربة والانتماء الذي تتركه الرحلة، يتجلى دور "السردية الوطنية" كأداة استراتيجية لإعادة تعريف وتسويق الأردن كوجهة متفردة في الذاكرة الإنسانية.

الأردن، هذا البلد الذي شهد بزوغ أقدم الحضارات ومرور أعظم القوافل، ليس مجرد خارطة جغرافية تضم مواقع أثرية، بل هو حكاية متجددة، ترويها الصخور، وتكتبها الرمال، وتحفظها القلوب. من آثار مملكة الأدوميين في بصيرا، ومملكة المؤابيين في ذيبان، والأنباط في البترا، إلى أمجاد الأمويين في قصر عمرة، تشكلت سردية الأردن في قلب الزمن.

لقد أصبح الابتكار السياحي اليوم ضرورة وليس خياراً، حيث تسعى المؤسسات والمنشآت السياحية إلى توظيف أحدث التقنيات وأساليب السرد القصصي (Storytelling)، لإحياء المواقع الأثرية وتقديمها للزوار بصورة تفاعلية تنبض بالحياة.
من التجوال الافتراضي في البترا وجرش، إلى دمج الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي في المتاحف والمواقع التراثية، كلها جهود تعكس التوجه نحو إعادة صياغة التجربة السياحية ضمن إطار سردي مبتكر.

من التاريخ إلى الرواية: بناء السردية الأردنية

عندما يتحدث الزائر مع مرشد سياحي أردني، أو يتجول بين أزقة مادبا حيث الفسيفساء تحكي قصص الأنبياء، أو يقف خاشعاً أمام هيبة جرش التي ما زالت تصدح بالموسيقى، فهو لا يشاهد أطلالاً جامدة، بل ينخرط في رواية حية تمزج بين البعد الزمني والثقافي والديني.

السردية الأردنية ليست فقط عن "ما كان"، بل عن "كيف كان ولماذا لا يزال".
إنها قصة الأمن والاستقرار في قلب الإقليم، وقصة التآخي الديني، وقصة الإنسان الأردني البسيط الذي يرحب بالغريب كأنه فرد من العائلة.
هنا نحتاج دور الابتكارالسياحي في صناعة السردية الاردنية و اظهارها بالشكل الذي يناسب مظهر الاردن و تاريخه .

دور القطاع  الخاص وصناع القرار في دمج السردية الأردنية في المنتجات والخدمات السياحية

إن دمج السردية الوطنية الأردنية في المنتج والخدمة السياحية لم يعد رفاهية إبداعية، بل تحول إلى ضرورة تنافسية في السوق السياحي الحديث، حيث يبحث الزائرون عن التجربة التي تلامس الروح وليس فقط عن المشاهدة.

فيما يلي أبرز الاستراتيجيات التي يمكن تبنيها:

إعادة تصميم المنتجات السياحية برؤية قصصية
إنشاء المسارات التفسيرية التي تروي قصص المواقع التاريخية والثقافية بأسلوب شيق، مثل مسار "حكايات البترا" أو "أسرار جرش الرومانية".
تطوير الباقات السياحية الموضوعية مثل "رحلة في ممالك الأردن القديمة" أو "على درب الملوك والأنبياء".
تمكين المرشدين السياحيين وتدريبهم على السرد القصصي (Storytelling)
برامج تدريبية متخصصة للمرشدين ليصبحوا رواة قصص محترفين، ينقلون روح المكان والتاريخ عبر أسلوب حواري تفاعلي، وليس مجرد نقل معلومات.
تصميم المحتوى الرقمي التفاعلي
إنتاج مقاطع فيديو، بودكاست، تطبيقات الواقع المعزز AR تحاكي القصص التاريخية في المواقع الأثرية.
إتاحة المحتوى الرقمي بلغات متعددة لجذب شرائح متنوعة من السياح.
الشراكة مع المجتمعات المحلية والحرفيين
دمج قصص التراث المحلي في تجربة السائح مثل:
زيارة بيت حرفي في مادبا لصناعة الفسيفساء.
التعرف على قصص النساء البدويات في وادي رم.
 تبني سردية الضيافة الأردنية الأصيلة في الخدمات
تعزيز الثقافة الأردنية في الضيافة الفندقية، عروض الطعام، الفعاليات الثقافية، مما يجعل من الإقامة بحد ذاتها جزءًا من السردية.
ابتكار الفعاليات والمهرجانات المرتبطة بالسردية
إطلاق مهرجانات سنوية مثل "أسبوع سرديات الأردن" أو "ليالي البادية والحضارة" تجمع بين الفن، الحكايات، التراث، والطعام.
التكامل بين القطاعين العام والخاص
إنشاء مركز وطني للسردية الأردنية في السياحة يدعم تطوير المحتوى، التدريب، وتسويق الأردن وفق سرديته الموحدة.
السردية الأردنية كنز استراتيجي، إذا ما تم دمجه بذكاء في كل لمسة من تجربة السائح، ستتحول زيارة الأردن من مجرد رحلة إلى ذاكرة لا تُنسى ومصدر ولاء دائم.

لهذا، فإن مسؤولية القطاعين العام والخاص اليوم هي كتابة الفصول القادمة من القصة الأردنية بروح عصرية، تحفظ الماضي وتبني المستقبل.

دعوة لتفعيل السردية كرافعة للتميز السياحي

في ظل المنافسة العالمية وتغير أنماط السياحة، لم يعد كافياً الترويج لمواقعنا كوجهات للزيارة فقط، بل بات من الضروري تسويق قصصنا وهويتنا وثقافتنا بوصفها تجارب أصيلة تستحق أن تعاش.

السردية الأردنية ليست خياراً، بل ضرورة وطنية واستراتيجية اقتصادية لتحويل الأردن إلى وجهة تستقطب الباحثين عن العمق والمعنى، وليس فقط عن المناظر والصور.

إنها رحلة من عبق الماضي إلى قلب المستقبل، يكتبها اليوم صناع القرار، والقطاع الخاص، والمجتمعات المحلية، ليحملها الغد إلى أجيال العالم أجمع.
 

مواضيع قد تعجبك