*
الاربعاء: 31 ديسمبر 2025
  • 10 نوفمبر 2018
  • 20:58
صناعة الموت
الكاتب: سهير جرادات
صناعة الموت

لم تعد " صناعة الموت "، التي تسللت إلى مجتمعنا، تقتصر على التنظيمات والحركات المتطرفة، التي استخدمت ادوات متعددة من الصواريخ والبنادق والمسدسات، بل شهدت شوارعنا في الآونة الأخيرة أحداثا غريبة؛ استخدمت فيها طرائق جديدة للموت ، تنوعت بين الالقاء من عمارة عالية، أو تعاطي الحبوب ، أو خلط كأس العصير بماء نار ، أو رش المستهدف بمادة سامة.

ابتكار "صناعة الموت " ليس بجديد علينا ، فكم خسرنا من الشخصيات المهمة ، التي شغلت مناصب حساسة من خلال الاغتيالات والقتل العمد ، فكان رئيس الوزراء هزاع المجالي عام 1960 ، الذي استشهد وعدد من كبار الموظفین ومواطنين ، في انفجار استهدف دار رئاسة الوزراء ، ليفقد الاردن بعدها باحد عشر عاما ، رئيس الوزراء الشهيد وصفي التل في حادثة اغتيال في فندق شيراتون القاهرة ، أثناء مشاركته في اجتماع مجلس الدفاع العربي المشترك ، مرورا بطريقة محاولة اغتيال غريبة في التسعينيات من القرن الماضي من خلال حقن رئیس المكتب السیاسي لحركة المقاومة الإسلامیة "حماس" خالد مشعل،  بمادة سامة أثناء سيره في شارع وصفي التل بعمان، إلى أن تدخل الراحل الملك الحسين مع رئیس الوزراء الإسرائیلي لتزويدنا بالمصل المضاد للمادة السامة.

وكنا سابقا قد خسرنا رئيس الوزراء الأردني توفيق ابو الهدى، الذي وجد منتحرا أو مقتولا في حمام منزله ، لتلحقه ابنته الوحيدة في حادثة غريبة إثر تناولها كأس عصير يحتوي على ماء نار ، ليتم التداول أنها انتحرت كوالدها ، وظلت الصالونات السياسية تتحدث عن أسباب ما زالت مبهمة لهاتين الحادثتين .

وباستعراض طرائق رحيل بعض الساسة الاردنيين ، الذين تركوا بصمات ، أو كان لهم دورهم الوطني، نجد أن أسباب وفاتهم وطرائقها ما زالت تتداول في مجالسنا ، على أنها مدبرة ، حيث تم إنهاء حياتهم بطريقة يُخيل للمتابع أنها طبيعية ، لكن التسريبات والاقاويل لشهود عيان، تجد أن هناك قرارا بانهاء حياتهم ، منهم من وجد مقتولا في غرفته داخل فندق( خمس نجوم) في أحد الفنادق الاوروبية، وآخر تم استدعاء طبيبه الخاص المعالج للقلب ، الذي تقاعس عن العلاج ، ليفارق الحياة بعد أقل من ساعة من مغادرة الطبيب المختص ، الذي تم التحفظ عليه ، وبقي يتنقل في أروقة مجالسنا المهمة .

وبعيدا عن الحديث عن الجهات والدوافع،لبعض الحوادث التي شهدتها شوارعنا ، نستذكر أول حادثة اغتيال سياسي معاصر في الأردن ، للكاتب والسیاسي ناھض حتر،الذي أطلقت عليه ثلاث رصاصات  أمام قصر العدل في العاصمة، ثم الوفاة الغامضة للكاتب الصحافي سامي المعايطة ، الذي وجد مقتولا برصاصة بعد أن أعلن عن نيته نشر قوائم تتضمن أسماء شخصيات أردنية متنفذة؛ تديرها شخصية تحمل جنسية عربية، لصالح بلد مجاور، لتعيث فسادا في بلدنا عبر هؤلاء "الفاسدين" .

سابقا تم الاعتداء بالضرب من قبل شخص مجهول على الناشط السياسي المهندس ليث شبيلات في مخبز صلاح الدين بوسط البلد ، ورفضنا هذا العمل ،و اليوم تم اختطاف الامين العام لمنظمة " مؤمنون بلا حدود "يونس قنديل – ويشتبه بقيام متشددين بهذا العملية ، ولكن مهما يكن وان اتفقنا أو اختلفنا مع توجهاته ، الا ان تعرضه للاختطاف أو التعذيب من قبل مجموعة مسلحة ، ورشم جسدة بعبارات غريبة ( لم يكشف عنها ) ، أمر مرفوض ومدان .

ما يميز" صناعة الموت" في أيامنا هذه أنها أصبحت أكثر وحشية ، ويتم فيها إنهاء  حياة الانسان بصور غريبة، ويرافقها تعليلات وتفسيرات ركيكة وضعيفة ، من الصعب أن تنطلي على الاطفال ، فما زلنا ومنذ الثاني من شهر تشرين الاول الماضي نتابع القضية الشهيرة اختفاء وقتل السعودي جمال الخاشقجي ،الذي اخذت قصته أبعادا تفوق خبر اختفاء مدير الانتربول الدولي ، الذي من المفترض أنه هو من يُلقي القبض على أكبر المجرمين وأخطرهم ، إلا أن المتابعات الصحافية عن اختفائه لم تتجاوز خبر تداولته المحطات الفضائية على مدار يومين فقط.

لو أن القبور تنطق ، لكشفت لنا أسرار وأسباب وفاة اصحابها ، التي  ما زالت منذ سنوات مثار بحث عن الحقيقة ، ولم نعثر لها على أي اجابة .

هناك ظروف ، وقوى لها سطوتها وراء تحولنا من "صناع للحياة " إلى "صناع للموت" ..!!

مواضيع قد تعجبك