• 09 ديسمبر 2025
  • 10:14
المدينة الجديدة عمّرة رؤية مساحية لصناعة مستقبل حضري ذكي في الأردن
الكاتب: الدكتور المهندس ضياء أمجد قطيشات

يشكّل مشروع المدينة الجديدة "عمّرة" أحد أبرز المشاريع الوطنية الاستراتيجية التي أعلن عنها الأردن في السنوات الأخيرة. فهذا المشروع لا يمثل مجرد توسع عمراني أو نقل لسكان العاصمة إلى موقع جديد، بل هو خطوة تخطيطية مدروسة نحو بناء مدينة حديثة قائمة على أسس مستدامة. ومن منظور علم المساحة والجيوماتكس، فإن هذا المشروع يحمل أهمية استثنائية لأنه يستند إلى علوم دقيقة تُعنى بفهم الأرض وسلوكها قبل اتخاذ أي قرار هندسي أو عمراني.

 

علم المساحة… نقطة البداية لأي مشروع حضري ناجح

 

ينطلق التخطيط المتقن للمدينة الجديدة من قراءة واقعية للطبوغرافية، حيث تُعتبر الخرائط الطبوغرافية والنماذج الرقمية للتضاريس بمثابة "البوصلة" التي توجّه القرار. فاختيار موقع المدينة لم يأتِ عشوائياً، بل بُني على تحليل الانحدارات، وخصائص التربة، ومرور مجاري المياه السطحية، والاتجاهات المناخية، إضافة إلى قرب الموقع من شبكات الطرق الدولية والمراكز الحيوية.

 

وهنا يبرز دور مهندس المساحة في تقديم بيانات دقيقة تُعدّ حجر الأساس لنجاح أي تخطيط مستقبلي. فالبيانات الجغرافية ليست مجرد أرقام، بل هي التي تحدد أين تُقام الطرق، وكيف توزّع المناطق السكنية، وأين توضع البنية التحتية الثقيلة، وما هي أفضل نقطة لبدء الامتداد الحضري.

 

الجيوماتكس… ربط الأرض بالقرار

 

مع التطور التكنولوجي الهائل، أصبح علم الجيوماتكس جزءاً محورياً في تقييم المناطق الحضرية الجديدة. ومن خلال صور الأقمار الصناعية عالية الدقة وتقنيات المسح الجوي بالدرونز، بات بالإمكان إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد للمنطقة تساعد صانع القرار على رؤية المكان كما لو كان أمامه.

 

وتوفر نظم المعلومات الجغرافية (GIS) قدرة كبيرة على تحليل ملايين البيانات المرتبطة بالموقع، من طبوغرافية الأرض إلى حركة الرياح والمياه. هذه التحليلات تجعل التخطيط أكثر دقة، وتقلل من الأخطاء المكلفة التي قد تظهر بعد بدء الإنشاء.

 

كيف يمكن لعمّرة أن تكون مدينة ذكية؟

 

يمتلك موقع المدينة الجديدة إمكانيات كبيرة لإنشاء مدينة ذكية متكاملة تُدار فيها الخدمات عبر بيانات لحظية وأنظمة ذكية. ويمكن للجيوماتكس أن يساهم في ذلك من خلال:

 

إدارة مرورية ذكية تعتمد على خرائط فورية لتحسين الحركة.

 

توجيه الطاقة الشمسية بناءً على تحليلات الظلال والمسارات الشمسية بدقة عالية.

 

نماذج تنبؤية لشبكات المياه والصرف الصحي لتجنّب الأزمات قبل حدوثها.

 

إنشاء توأم رقمي (Digital Twin) يحاكي المدينة ويتيح مراقبتها وتطويرها بشكل مستمر.

 

 

مثل هذه الأنظمة لا تعمل في فراغ، بل تنطلق من بيانات يقدمها مهندسو المساحة، وتتكامل مع التحليل الهندسي والمعماري لإنتاج مدينة مستدامة، آمنة، وفعّالة.

 

قرار إيجابي للمستقبل

 

إن إنشاء المدينة الجديدة "عمّرة" ليس مجرد خطوة توسعية، بل هو قرار استراتيجي إيجابي يؤكد توجه الأردن نحو التخطيط الحضري المتوازن. فالمدينة الجديدة ستخفف الضغط عن عمّان، وتفتح آفاقاً اقتصادية جديدة، وتتيح التفكير ببنية حضرية أكثر انسجاماً مع احتياجات المستقبل.

 

ومن هنا، فإن نجاح المشروع سيعتمد على الاستمرار في بناء كل خطوة على أسس علمية واضحة يقودها مهندسو المساحة وخبراء الجيوماتكس، لضمان أن تكون عمّرة ليست فقط مدينة جديدة، بل مدينة نموذجية تجسد رؤية الأردن لمستقبل أكثر استدامة وتقدماً.

رئيس قسم الهندسة المدنية والمعمارية جامعة العقبة للتكنولوجيا

رئيس جمعية مهندسي المساحة نقابة المهندسين الأردنيين

مواضيع قد تعجبك