*
الاحد: 07 ديسمبر 2025
  • 30 أكتوبر 2025
  • 11:21
الكاتب: الدكتور الكاتب محمود سمور.

خبرني - السلالات الميكروبية في سياقات الحرب البيولوجية تُعدّ من أخطر تطبيقات التكنولوجيا الحيوية ذات الطابع العسكري, ويُقصد بها استخدام كائنات دقيقة (مثل البكتيريا، الفيروسات، أو الفطريات) أو سلالات معدّلة منها كسلاح لإحداث أضرار بشرية أو اقتصادية أو بيئية واسعة النطاق.
تاريخيًا، سعت بعض الدول والجهات إلى تطوير سلالات ميكروبية تمتاز بخصائص محددة، مثل زيادة قدرتها على العدوى، أو مقاومتها للعلاجات والمطهرات، أو قابليتها للانتشار السريع. ويُثير هذا المجال قضايا أخلاقية وأمنية كبيرة، نظرًا لإمكانية تحوّل هذه العوامل إلى تهديد عالمي خارج السيطرة.
في المقابل، تلعب الجهود الدولية—كالاتفاقيات الخاصة بحظر الأسلحة البيولوجية—دورًا محوريًا في مراقبة ومنع تطوير أو استخدام مثل هذه السلالات, كما أن التقدم في مجالات علم الوراثة والأمن الحيوي جعل من الضروري تعزيز أنظمة الكشف المبكر، والاستجابة السريعة، والرقابة على الأبحاث ذات الاستخدام المزدوج.

    امثلة على ميكروبات الحرب البيولوجية -

هناك عدد من السلالات الميكروبية التي استُخدمت أو طُوِّرت أو دُرست لأغراض عسكرية نظرًا لقدرتها العالية على إحداث أمراض خطيرة وسريعة الانتشاروسوف نظهر بعض الأمثلة التاريخية والمعروفة وهي كما يلي : 
بكتيريا الجمرة الخبيثة: (Bacillus anthracis)1-
تُعد من أكثر العوامل الممرضة استخدامًا في برامج الحرب البيولوجية فتُكوّن أبواغًا مقاومة جدًا للحرارة والظروف البيئية، مما يجعلها مناسبة للنشر في الهواء أوعبرالمراسلات (كما حدث في حوادث "رسائل الأنثراكس" في الولايات المتحدة عام ( 2001) وتسبب مرض الجمرة الخبيثة الذي قد يكون قاتلًا إذا لم يُعالج بسرعة.
بكتيريا الطاعون : (Yersinia pestis)2-
بكتيريا يرسينيا بيستيس المسبب لمرض الطاعون الدبلي والرئوي, حيث استُخدمت تاريخيًا، وقد استخدامها اليابان في الحرب العالمية الثانية (الوحدة 731)، حيث نُشرت عبر الحشرات (البراغيث) و
تتميز بسرعة الانتقال وإمكانية إحداث أوبئة مدمّرة.
بكتيريا التولاريميا: (Francisella tularensis)3-
فهي بكتيريا شديدة العدوى، وتحتاج كمية صغيرة جدًا لإحداث الفوعة المرضية و تسبب مرض التولاريميا الذي يصيب الجهاز التنفسي والجهاز اللمفاوي و درستها عدة برامج عسكرية كسلاح محتمل بسبب سهولة نشرها عبر الهواء وصعوبة علاجها في بعض الحالات.
بكتيريا الحمى المالطية: (Brucella spp)4-
تُسبب مرض البروسيلا أو الحمى المالطية، وهو منهك لكنه نادرًا ما يكون مميتًا وقد استخدمت لأغراض تعطيل القوات أو المجتمعات دون قتل جماعي.
- الفيروسات شديدة العدوى (مثل فيروسات الجدري والإيبولا):5 
فيروس الجدري: (Variola major)أ- 
حيث كان هذا الفيروس ضمن برامج الحرب البيولوجية خلال الحرب الباردة، نظرًا لقدرته العالية على الانتشار ومعدل الوفيات المرتفع.
):Ebola virus)ب- 
حيث أُثيرت حول فيروس الإيبولا مخاوف نظرًا لطبيعته القاتلة وسرعة تفشيه، رغم أنه أقل استقرارًا في البيئة الخارجية.
سموم الكلوستريديوم بوتولينيوم: (Clostridium botulinum Exotoxin)6-
بكتيريا الكلوستريديوم بوتولينيوم تُنتج سمًّا عصبيًا قاتلًا يُعد من أقوى السموم المعروفة حيث 
استُخدمت أبحاثها في تطوير أسلحة بيولوجية قائمة على السموم وليس على العدوى المباشرة.

لماذا بعض الكائنات الحية الدقيقة تُعتبر ملائمة كسلاح بيولوجي؟؟ -
تعتبر بعض السلالات الميكروبية سلاح بيولوجي بسبب امتلاكها لصفات العامة التالية :
: (Infectivity / transmissibility)1- قابلية العدوى و الانتشار  
حيث ان الكائنات التي تحتاج لجرعات صغيرة لتُحدث عدوى أو تنتقل بسهولة بين البشر (عبر الرذاذ، الهواء، أو ناقلات) يمكن أن تُحدث إصابات سريعة ومتعددة. 
: (Virulence) 2-الضَرْوة الفتاكة والامراضية 
عندما يكون الميكروب له قوة امراضية وفوعة فتاكة فأنه يكون للميكروب ذات معدلات مرضية أو وفيات عالية تسبب تأثيرًا صحيًا واجتماعيًا أكبر. 
 (Incubation period) فترة الحضانة الطويلة أو المتغايرة -3
 عندما يكون للميكروب فترات حضانة طويلة أو متغيرة تمنح فرصة لانتشار المرض قبل اكتشافه، مما يزيد من عدد المصابين قبل اتخاذ تدابير السيطرة.
 (Environmental stability & resilience) الاستقرارالبيئي والمقاومة -4 
ان الميكروبات  التي تبقى حية أو فعّالة لفترات طويلة في الهواء، الماء، التربة، أو على الأسطح تكون أسهل للنشر وتبعث على مزيد من القلق.
:(Resistance & lack of countermeasures)المقاومة وعدم وجود تدابير مضادة -5
. إذا لم توجد لقاحات فعّالة أو علاجات معروفة، فذلك يزيد من أثر الميكروب ويجعل الاستجابة أصعب
 :(Accessibility)6- سُهولة الحصول على الميكروب 
 فأذا كانت هناك ميكروبات توجد طبيعياً في البيئة أو يمكن عزلها بسهولة نسبيًا قد تُستغل من قِبل فاعلين ذوي نوايا خبيثة.
:(Vector-borne potential)الانتقال عبر ناقلات الامراض والحشرات -7 
. بعض الميكروبات  يمكن أن تُنشر بواسطة حشرات أو حيوانات، ما يسهّل انتشارها في نطاقات واسعة
:(Nonspecific symptoms / mimicry)القدرة على التمويه أو التشابه مع أمراض أخرى  8-   هذه الميكروبات تسبب أمراض تُشبه حالات شائعة قد تؤخر التشخيص وتشتت استجابة الصحة العامة
   هناك عوامل غير بيولوجية تُساهم في كون الميكروبات ملائمة كسلاح بيولوجي وهي :-
1-الأثر النفسي والاجتماعي : احيانا تكون بعض الميكروبات اقل فتكا وامراضية  يمكن أن تُحدث ذعرًا اقتصاديًا واجتماعيًا كبيرًا، وهذا أحد دوافع استخدام الأسلحة البيولوجية. 
2- قابلية التخفي والتصديق. 
3- سهولة النقل والتخزين: ميكروبات لا تحتاج إلى معدات تبريد متقدمة أو بنى تحتية متخصصة ستكون أسهل لنقلها وتخزينها.
   اعتبارات أخلاقية وقانونية وأمنية في سياقات الحرب البيولوجية : -
أ- ان استخدام الكائنات الدقيقة كسلاح محظور دوليًا بموجب معاهدات مثل اتفاقية الأسلحة البيولوجية، يُعد أثره إنسانيًا مدمِّرًا وغير مسؤول. 
:(dual-use) أبحاث الاستخدام المزدوج  ب-
أي أبحاث لها فائدة علمية وقيمة دفاعية لكنها قد تُساء استعمالها فأنها تُخضع لسياسات وقائية ومبادئ أخلاقية صارمة في مراكز البحث والتشغيل. 
  تدابير الوقاية والحد من مخاطربيولوجية: -
1- تعزيز أنظمة الكشف والمراقبة الوبائية.
2- تطوير لقاحات وطرق تشخيص سريعة وآمنة.
3- خطط استجابة طوارئ وتدريب طواقم الرعاية الصحية.
4- ضوابط صارمة على الوصول إلى العينات والمواد الحساسة وإدارة المخاطر في المختبرات.

  ما الذي تفعله الصحة العامة والدول للوقاية من الحرب الجرثومية؟؟-

أولًا: على مستوى الصحة العامة
تعمل أجهزة الصحة العامة على تقوية المنظومة الوقائية والاستجابية ضد أي تهديد بيولوجي محتمل، سواء طبيعي أو متعمّد، وتشمل الإجراءات ما يلي:
 (Surveillance)- الرقابة الوبائية 1
أ- إنشاء شبكات وطنية وإقليمية لمراقبة الأمراض المعدية ورصد الحالات غيرالاعتيادية بسرعة.
ب- تطويرأنظمة إنذارمبكرتعتمد على البيانات الميدانية والمخبرية والتقنيات الحديثة (مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الحيوية).
2-الجاهزية والاستجابة السريعة
أ- تدريب فرق طبية متخصصة للتعامل مع تفشيات غير مألوفة.
ب- إعداد خطط طوارئ صحية تشمل الحجر الصحي، إدارة الأزمات، والتنسيق مع الجهات الأمنية.
ج- تخزين كميات كافية من اللقاحات والأدوية والمضادات الحيوية الأساسية.
 (Biosafety & Biosecurity)3- السلامة والأمن البيولوجي 
أ- فرض معايير صارمة في المختبرات التي تتعامل مع مسببات الأمراض، لتجنّب التسرب أو سوء الاستخدام.
ب- ترخيص ومتابعة أعمال البحث العلمي لضمان توافقها مع القوانين الأخلاقية ومعايير الاستخدام السلمي.
4- التثقيف والتوعية
أ- تدريب العاملين الصحيين على التعرف المبكر على الأمراض غير المألوفة.
ب- نشرالتوعية المجتمعية حول مخاطر الشائعات والذعر الجماعي أثناء الأزمات البيولوجية.

ثانيًا: على مستوى الدول والمجتمع الدولي
: الدول والمنظمات الدولية تتعاون عبرأطرقانونية وسياسية لمنع تطويرأواستخدام الأسلحة البيولوجية 
1- الاتفاقيات الدولية
أ- عقد اتفاقية حظرالأسلحة البيولوجية لعام 1972، التي تُلزم الدول بعدم تطويرأو تخزين أواستخدام العوامل البيولوجية لأغراض حربية.
ب- دعم قرارات الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية في تعزيز الأمن الصحي العالمي.
2- التعاون بين الدول
أ- تبادل المعلومات الوبائية بين الدول عبر منظمة الصحة العالمية والمراكز الإقليمية مثل "مركز .CDC السيطرة على الأمراض  
ب- إجراء تدريبات مشتركة لمحاكاة سيناريوهات تفشي بيولوجي.
3- تعزيز الدفاع البيولوجي
أ- إنشاء وحدات متخصصة في الدفاع البيولوجي داخل وزارات الدفاع والصحة.
ب- تطوير قدرات الكشف المبكر والتحليل المخبري المتقدم.
 (Dual-use research) 4- المراقبة على الأبحاث الحساسة 
مراقبة الأبحاث ذات الاستخدام المزدوج لضمان توجيهها نحو الأغراض الطبية والزراعية السلمية فقط. 
خلاصة والاستنتاج
الوقاية من الحرب البيولوجية الجرثومية ليست فقط مسألة عسكرية، بل هي مسؤولية صحية وإنسانية تتطلب تنسيقًا مستمرًا بين القطاع الصحي، والأمن الوطني، والمجتمع الدولي , والهدف النهائي هو منع استخدام العلم في الإيذاء، وضمان أن تظل المعرفة البيولوجية أداةً لحماية الإنسان، لا لإيذائه.
التهديد البيولوجي موضوع حساس ومعقّد يجمع بين العلم، الأمن، الأخلاقيات، والسياسة العامة.و الفهم العلمي العام لأخطار العوامل الميكروبية مهم لرفع الوعي وتحسين جاهزية المجتمع، لكن من الضروري الالتزام بحدود مسؤولة وعدم نشر معلومات تقنية قد تُستخدم في الإيذاء. الإجراءات الواقية المبنية على المراقبة، التحصين، والقوانين الدولية تشكل الطريق الأفضل لحماية المجتمع من أي محاولة لإساءة استخدام الكائنات الحية الدقيقة .
 

مواضيع قد تعجبك