*
السبت: 06 ديسمبر 2025
  • 30 أيلول 2025
  • 19:58
الكاتب: المحامي الدكتور ربيع العمور

خبرني - القانون لا يحمي المقصرين: تفنيد مقولة "القانون لا يحمي المغفلين" في ضوء القانون المدني الأردني

تمهيد

شاعت بين الناس مقولة "القانون لا يحمي المغفلين"، وانتقلت من المسلسلات والأعمال الدرامية إلى الوعي الشعبي باعتبارها حقيقة قانونية. غير أن هذه المقولة لا أساس لها في النصوص التشريعية، بل تخالف صريح أحكام القانون المدني الأردني الذي صمم لحماية الطرف الضعيف أو المغرور أو المحجور عليه. والأدق أن يقال: "القانون لا يحمي المقصرين"، أي من يتهاون في استعمال حقه أو يقصر في واجباته.

اولا: حماية المحجورين وذوي الغفلة

المشرع الأردني لم يترك "المغفل" أو "الساذج" لقسوة المعاملات، بل نص صراحة على الحجر على من عرف بضعف إدراكه أو بسذاجته:

المادة (127) مدني: اعتبرت الصغير والمجنون والمعتوه محجورين لذاتهم، أما السفيه وذو الغفلة فتحكم المحكمة بالحجر عليهم حماية لهم.

المادة (129) مدني: تسري على تصرفات المحجور للغفلة أو السفه أحكام الصبي المميز، وتبطل تصرفاته إذا كانت نتيجة استغلال أو تواطؤ.


وهذا يؤكد أن القانون يحمي حتى "ذوي الغفلة" الذين قد يطلق عليهم اصطلاحا "المغفلين".

ثانيا: الحماية من التغرير والغبن

التغرير من أبرز صور الخداع التي يقع فيها المتعاقد البسيط:

المادة (143) مدني عرفت التغرير بأنه الخداع بوسائل احتيالية تدفع المتعاقد للرضا بما لم يكن ليرضى به.

المادة (144) مدني وسعت المفهوم باعتبار السكوت المتعمد عن واقعة جوهرية تغريرا.

المادة (145) مدني منحت المتضرر من التغرير مع الغبن الفاحش حق فسخ العقد.

بل إن المشرع شدد الحماية أكثر إذا أصاب الغبن أموال المحجور أو المريض مرض الموت (المادة 147).

ثالثا: الغبن بلا تغرير والغلط

حتى في حال غياب التغرير، فإن القانون يحمي بعض الفئات من الغبن الفاحش:

المادة (149) مدني أجازت فسخ العقد إذا وقع الغبن الفاحش في مال المحجور أو مال الوقف أو أموال الدولة.

المادة (151) مدني اعتبرت الغلط سببا لإبطال العقد إذا كان متعلقا بصيغته أو ملابساته أو الأعراف.

المادة (152) نصت صراحة على بطلان العقد إذا وقع الغلط في ماهيته أو في شرط من شروط الانعقاد.

رابعا: متى لا يحمي القانون؟
القانون لا يحمي من يقصر في حقه أو يتهاون في استعماله. فإذا لم يباشر المتضرر حقه بالفسخ أو الإبطال في المواعيد القانونية، فإن حقه يسقط. وهذا هو المعنى الصحيح: القانون لا يحمي المقصرين، لا المغفلين.

خامسا: القانون لا يحمي المقصرين – ضرورة الاثبات والاحتياط
من صور التقصير الشائعة أن يتهاون الشخص في توثيق حقه، فيعطي قرضا أو يبرم معاملة مالية بلا عقد أو شيك أو كمبيالة أو أي سند كتابي. في هذه الحالة، لا يمكنه أن يلوم القانون إذا لم يثبت حقه، لأن القانون لا يحمي الاهمال في الاثبات.

القانون يفرق بين:
من يغرر به رغم اتخاذه الحيطة (فيحميه بنصوص التغرير والغبن).
ومن يفرط في حقه بتركه بلا دليل، فيصبح عرضة للاستغلال ويقع فريسة طمع المحتالين.
فمن يتهاون في الحصول على اثبات خطي، يعتبر قد قصر بحق نفسه، والقانون لا يحمي المقصرين.

الخلاصة يا سادة 

إن دراسة النصوص المدنية الأردنية تكشف أن القانون وضع حماية متينة للغافل  والمغرر به، حتى لا يكون ضحية استغلال أو تغرير أو غبن. وبالتالي، فإن المقولة الشعبية الشهيرة ليست إلا انطباعا خاطئا، والأدق القول: القانون يحمي المغفلين، لكنه لا يحمي المقصرين.

مواضيع قد تعجبك