*
الخميس: 11 ديسمبر 2025
  • 25 أيلول 2025
  • 18:22
حين يختلط الوحل بالذهب
الكاتب: أ. د. بسام الشخريت

خبرني - في حضاراتٍ تُدعى عظمى، ينام المرء ثم ينهض، فلا يعرف جسده ماءً يُطهّره ولا قطرةً تزيل ما علق به من غبار الليل. يأكلون ويشربون، ثم يمضون وكأن الطهارة عادةٌ منقرضة. يدخلون المراحيض ويخرجون منها دون أن يعرفوا معنى الاغتسال، ويمارسون غرائزهم ثم يواصلون حياتهم كأن شيئاً لم يكن. حتى عطلتهم الأسبوعية تمرّ بلا حمَّام ولا نظافة، فيا للدهشة من أجسادٍ اعتادت الدرن كأنه ثوبها الأبدي.
هُنا، في شريعة الفطرة، يغتسل المسلم خمس مراتٍ في اليوم بماءِ الوضوء، فيغدو طاهرَ اليد والوجه والقلب. هناك، يكتفون بمسحة ورقية على أدبارهم؛ ورقةٌ يابسة تُقابل نعيم الماء الجاري. أي إختلافٍ شاسع بين من يغتسل بالضياء ومن يرضى بالوحل!
وفي تفاصيل حياتهم الصغيرة يتجلّى السقوط: أقداح الخمور تُدار بينهم في مجالس لهو، ثم تُملأ ذات الكؤوس بحليبٍ أو ماء يُقدَّم للطفل البريء. وعلى موائد أفراحهم تُلتهم الخنازير بجميع تفاصيلها، من الرأس حتى الذيل، والحمار كذلك يجد عندهم نصيباً من الشهوة. أما النظافة الجسدية، فلا قصّ للأظافر ولا سُنّة لاعتزال المرأة في حيضها، وكأن الجسد عندهم ترابٌ لا حرمة له.
وإذا قلبنا صفحات طباعهم، وجدنا مهازل تُثير الغثيان: إخراج الريح من الوراء عندهم نكتة للتسلية، بينما التجشؤ يعدّونه عيباً فادحاً. قُبلَةٌ من فم كلبٍ تُدخلهم في نوبة ضحكٍ صاخب، والتبول من الشرفات لعبةٌ يزاولها بعضهم، والقيء بعد كأس خمرٍ طافحةٍ يصبح عندهم وسيلة للترفيه. أيّ انحطاطٍ هذا الذي جعل النجاسة لهواً والعار مسرحاً؟
أما في أخلاقهم، فقد أباحوا ما حرَّمَتْه الفطر، واستحلّوا ما استقذرته العقول: رجلٌ لرجلٍ في زواجٍ يسمونه حُبّاً، وامرأة لامرأة في رباطٍ يزعمونه حرية. تَعدَّت انحرافاتهم إلى زواج الإنسان بالحيوان، وانتهاك المحارم، بل صارت الدياثة عندهم كأساً يُدار بينهم بلا حياء. زوجٌ يسلِّم زوجته لصديقه في حفلةِ تبادلٍ مُخزية، وابنةٌ تفتح باب بيتها لغريبٍ يشاركها الفراش دون وجل. أيَّةُ كرامةٍ تُرجى من حضارةٍ باعت العرض في سوق الشهوة؟
وليس الكلام افتراءً، بل أرقامٌ تشهد عليهم:
•    في ألمانيا، سنة 2020 وحدها، وُثِّق أكثر من 300 طفل ضحيةَ اعتداءاتٍ ارتكبها رجال دِينٍ في أبرشية كولونيا.
•    فرنسا اعترفت بعشرة آلاف طفلٍ وقعوا فريسة التحرش داخل الكنائس في خمس سنوات فقط.
•    هولندا أنشأت عام 2021 منظومةً كاملة لحراسة الفضاء الرقمي بعدما غرق في محتوى جـنسي يشارك فيه الكبار الأطفال أمام العلن.
•    أوروبا اليوم تتصدر نسب الاغتصاب في العالم، فيا للمفارقة!
هذه إذن حضارتهم التي يتغنَّى بها المبهورون: أنوارها براقة في الشاشات، لكن خلف الستار وَحْلٌ ودماء وفضائح. وهنا يسطع الفرقان:
•    في الإسلام، الماء طُهرٌ، والوضوء نورٌ، والغُسْلُ حياةٌ، والطهارةُ شعارٌ يومي.
•    وفي تلك المجتمعات، النجاسة تسلية، والانحراف حرية، والدياثة ثقافة، والزنا والمحرّمات تُسوَّق بوجهٍ مبتسم.
لقد وصفهم الحق وصفاً لا يخطئ: ﴿أُو۟لَـٰٓئِكَ كَالۡأَنۡعَـٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلٗا﴾ [الفرقان: 44]. فهم يعيشون ببطونهم وفروجهم، لكنهم لا يَسْمُون بروحهم ولا يُطهِّرون أنفسهم.
فيا من تنخدع ببريقهم، إياك أن تظنّ أن بلاد الكفر خيرٌ من بلاد الإسلام. فإن جال بخاطرك هذا الوهم، فراجع قلبك قبل أن يسلب الشيطان بصيرتك. في دينك طهارةٌ تُعلِّمك كيف تُنقِّي جسدك وروحك، وفي شريعتك حُرمةٌ تصون العرض والدم، وفي قرآنك نورٌ يهديك إلى صراط مستقيم.
وأخيراً وليس آخراً ، فإن الإسلامَ نورٌ كالفجر حين يَشُقُّ عَتمةَ الليل، ماءٌ رقراقٌ يغسل الأجساد والقلوب معاً، ريحٌ طيِّبةٌ تُعطِّر الأرواح وتطهّر البيوت. أمَّا حضاراتُ الغرب، فهي كليلٍ طويلٍ تتناثر فيه الأضواء المصطنعة؛ برَّاقةٌ في ظاهرها، لكن في باطنها وحْلٌ وعَفَن. والويل لمن يستبدل شمسَ النهار بأضواءٍ زائفة، أو يستبدل ماءَ الطُهر بأوراقٍ يابسة.
فاللهم ثبِّتنا على نور الإسلام، وامنحنا طهارته وعزته، واجعلنا من الذين يستضيئون بضياء القرآن حتى يوم نلقاك.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليماً كثيراً.

مواضيع قد تعجبك