خبرني - ها قد أشرقت شمس يوم جديد في حياة شبابنا الطموح، يوم يحمل معه ثمرة السنين وسهر الليالي وكفاح الأيام. نبارك من القلب لكل طالب وطالبة اجتازوا مرحلة الثانوية العامة (التوجيهي) لعام 2025، وحققوا النجاح الذي يستحقونه بعد مشوار حافل بالتعب والإصرار. إنه إنجاز لا يُستهان به، ويستحق أن يُحتفى به بكل فخر وامتنان.
ولأبنائنا الذين لم يسعفهم الحظ هذا العام، فإن الفشل لا يعني نهاية الطريق، بل هو بداية جديدة لفرصة أكثر نضجًا ونضوجًا. فكم من عظماء سقطوا في أول الطريق، ثم نهضوا أقوى مما كانوا، وواصلوا السير بثبات حتى بلغوا القمم. ثقوا أن الجدّ والمثابرة، مع الصبر والإيمان، تفتح لكم أبواب التفوق في دورات قادمة بإذن الله، فأنتم أهل للطموح، والفرصة لا تزال أمامكم، مشرعة تنتظر من يُحسن اقتناصها.
أما من نجح اليوم، فإن التحدي الحقيقي لم ينتهِ، بل يبدأ من الآن. فالمرحلة المقبلة تتطلب تفكيرًا عميقًا، واختيارًا مسؤولًا لمسار الحياة الأكاديمية والمهنية. لم تعد المسألة تقتصر على المجموع فقط، بل على وعي الطالب بما يناسب ميوله، وقدراته، وطموحاته، وما يتواءم مع تطورات سوق العمل ومستقبل المهن في الأردن والعالم.
لقد تغير العالم من حولنا، ولم تعد التخصصات التقليدية تضمن مستقبلاً آمناً كما كانت في السابق. لذلك، فإن من الحكمة أن يوجه الطالب بوصلته نحو المجالات التي تواكب هذا التغير، وتوفر فرصاً حقيقية للنمو والتقدم. من بين هذه التخصصات، تبرز علوم الحاسوب، الذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات، والأمن السيبراني كأعمدة أساسية في الاقتصاد الرقمي الحديث. وكذلك تخصصات التكنولوجيا المالية (Fintech)، التي باتت مطلوبة بشدة في القطاع المصرفي والشركات الناشئة على حد سواء.
ولا يجب إغفال أهمية التخصصات المرتبطة بالتسويق الرقمي، وإدارة الأعمال الحديثة، التي تمزج بين الفهم التجاري العميق والقدرة على استخدام أدوات العصر الرقمي بكفاءة. كما أن الرعاية الصحية بمختلف مجالاتها ما تزال تحمل آفاقاً واسعة، خصوصاً في ظل التوسع في الخدمات الطبية وزيادة الحاجة إلى كوادر مؤهلة. وإذا كنت من محبي الإبداع والفنون الرقمية، فمجالات الإعلام الرقمي، والتصميم الجرافيكي، وصناعة المحتوى أصبحت مسارات مهنية حقيقية وليست مجرد هوايات.
ليس المطلوب منكم أن تتبعوا ما يتبعه الآخرون، بل أن تكتشفوا ذاتكم، وتسألوا أنفسكم: "ما الذي أُجيده؟ ما الذي أحبه؟ وأين أرى نفسي بعد خمس أو عشر سنوات؟" هذه الأسئلة هي المفتاح لاختيار تخصصكم القادم. وليكن اختياركم نابعًا من بصيرة، لا من تقليد، ومن طموح لا من ضغط اجتماعي.
أبنائي وبناتي، أنتم الآن على أعتاب الحياة الحقيقية. فاجعلوا من هذا النجاح بداية لصناعة مستقبلكم بوعي ومسؤولية. لا تتعجلوا، ولا تستسلموا للضغوط، ولا تستهينوا بقدراتكم. الوطن يحتاج إلى عقول مبدعة، وأيدي منتجة، وقلوب مؤمنة بأن العمل والعلم هما سبيل النهضة.
لكم منا خالص الدعاء بالتوفيق والسداد، ولمن لم يُوفَّق بعد، كل الأمل أن يكون القادم أجمل، فما ضاع جهد من اجتهد، ولا خاب من واصل السير بثقة وإيمان.




