*
الاحد: 07 ديسمبر 2025
  • 31 تموز 2025
  • 00:56
الكاتب: الدكتور ماجد عسيلة

في زمن تتسارع فيه المعلومة، ويتكاثر فيه "الترند" كنمو الفطر، لم يعد الفرد في كثير من الأحيان يفكر بعقله، بل صار يميل -بوعي أو بدونه-، إلى أن يسلك "سلوك القطيع"، حيث يقرر ويتفاعل ويتحرك بناء على ما يفعله الآخرون، لا بناء على قناعاته أو وعيه الفردي.
نظرية "سلوك القطيع" في علم النفس الاجتماعي تفسر هذا الميل البشري لتقليد الأغلبية، خاصة في الظروف الغامضة أو الضاغطة، حين يصبح الانتماء إلى الجماعة أكثر راحة من اتخاذ موقف مستقل قد يعرض صاحبه للعزلة أو النقد.
ومن أبرز مظاهر "سلوك القطيع" في واقعنا المعاصر، ما يحدث يوميا على منصات التواصل الاجتماعي، ما إن يظهر تحد جديد، أو حملة مقاطعة، أو هجوم جماعي على شخصية ما، حتى تجد الآلاف يندفعون خلف هذا الاتجاه، يشاركون ويتفاعلون وينشرون دون تحقق أو تمحيص.
في كثير من الأحيان، لا يعرف المتابع أصل القصة، ولا مصدر المعلومة، لكنه يشعر بالأمان النفسي لمجرد أنه "مع الأغلبية"، وهنا يتحول الفضاء الرقمي إلى قطيع ضخم يسير باتجاه واحد قد يكون خاطئا، لكنه يملك زخم التأثير.
نتذكر جميعا مشاهد الأرفف الفارغة في المتاجر خلال جائحة كورونا، حين اندفع الناس لتخزين كل شيئ من المواد الغذائية ومختلف اللوازم وحتى ورق التواليت، لم يكن السبب الحقيقي النقص في هذه المواد، بل هو مجرد خوف جماعي تفاقم عبر التقليد، ومثل هذه الحالات تُظهر كيف يمكن للإنسان أن يسلم قراراته للجموع، ويتبنى سلوكا لمجرد أنه منتشر، لا لأنه عقلاني أو مبرر.
في السياق السياسي، يتكرر "سلوك القطيع" بشكل مثير للقلق، مرشح يحظى بشعبية على وسائل الإعلام، فيبدأ الناس بالانحياز له، ليس لقوة برنامجه، بل لشعورهم أنه "الأقرب للفوز"، فيتحول التصويت إلى عملية تقليد لا اختيار نابع من تقييم حقيقي.
الخطير في "سلوك القطيع" أنه لا يؤثر فقط على الأفراد، بل يشكل موجات ضغط قد تفرض واقعا غير صحي، من حملات التشهير والتنمر الجماعي، إلى ترسيخ مفاهيم خاطئة أو خطيرة، يصبح المجتمع رهينة لحالة عقل جمعي لا يتوقف للتفكير أو المراجعة.
عموما، ليس كل ما يتبناه الجمهور صحيحا، ولا كل ما يخالف القطيع باطلا.. إن وعي الفرد وقدرته على التمييز بين ما يؤمن به وما يتبناه فقط لأن "الكل يفعله"، هو ما يصنع الفرق بين مجتمع يفكر وآخر يُقاد.

مواضيع قد تعجبك