*
الثلاثاء: 23 ديسمبر 2025
  • 22 ديسمبر 2025
  • 12:06
عندما يتحدث الخبير على صاحب القرار أن يستمع وينصت
الكاتب: الدكتور زيد أحمد المحيسن

مشروع مدينة عمرة، ذلك الطموح العمراني الذي ينبثق في قلب صحراء شاسعة، يثير في أذهان المتابعين تساؤلات عدة حول التخطيط الحضري ورؤية المستقبل لهذه المدينة الجديدة. فبينما تبدو الأرض الممتدة على مدى الأفق لوحة ضبابية، يطل الدكتور المهندس مراد الكلالدة برؤيته الواضحة، جامعًا بين الخبرة العلمية والفكر العملي، ليضيء الطريق أمام صناع القرار والمخططين الحضريين.

لقد أظهر الدكتور مراد في مداخلاته حرصًا بالغًا على نقل الحقيقة بأمانة وشفافية، صادرة من قلبه وعقله معًا، ومدعومة بالعلم والمعرفة العملية. فقد تناول المشروع بأسلوب يجمع بين الفن الهندسي والدقة التقنية، مقدمًا صورة متكاملة للمشروع، ومبينًا التحديات والفرص على حد سواء.

إن الخلل الأساسي الذي يعيشه مشروع مدينة عمرة اليوم يكمن في غياب التشريع الحضري والمخطط الشمولي، الذي ينظم استخدام الأراضي ويحدد الوظائف المختلفة لها، سواء كانت سكنية أو تجارية أو صناعية. كما أن عدم وجود ضوابط واضحة للبناء، ونسبه وشروطه، وغياب دراسة متكاملة للموارد الأساسية كالمياه والطاقة والبنية التحتية، يترك المشروع عرضة للفوضى والقرارات العشوائية.

مشهد تحرك الجرافات وشق الشوارع قبل وضع الدراسات الدقيقة يطرح أسئلة جوهرية: إلى أين يتجه المشروع شمالًا وغربًا؟ وهل الهدف مجرد استثمار سريع وبيع الأراضي في الصحراء؟ هنا يبرز الدور الحيوي للخبرة والتخطيط، حيث يؤكد الدكتور مراد على ضرورة إجراء الدراسات البيئية والتنظيمية قبل أي تنفيذ، لضمان أن تكون المدينة متوافقة مع احتياجات السكان والمجتمع، وتحقق استدامة حضرية حقيقية.

جهود الدكتور مراد تشبه شعاع الضوء في ضباب المشروع، إذ تضيء الصورة الكاملة لمناخ الموقع وظروفه الطبيعية، وتحدد ما يجب فعله وما يجب تجنبه. فهو يشدد على أن العجلة في التنفيذ دون تخطيط مدروس لن تؤدي إلا إلى مشاريع نصف مكتملة، بلا روح ولا قيمة، ما يجعل المشروع مجرد تراكم مبانٍ على الرمال دون جدوى حقيقية.

المناخ في موقع مدينة عمرة يتسم بالتحديات البيئية الصحراوية، من ارتفاع درجات الحرارة، وقلة الموارد المائية، إلى الرياح المتغيرة وتربة صعبة البناء، ما يجعل وضع الدراسات المناخية والهندسية أمرًا ضروريًا قبل أي تنفيذ. وقد نجح الدكتور مراد في إبراز هذه الحقائق بأسلوب علمي وعملي، مما يساعد على تجنب المخاطر المستقبلية وضمان استدامة المشروع على المدى الطويل.

من هنا، تصبح دعوته للتمهل ووضع الأسس الصلبة للمشروع قبل الانطلاق خطوة حضارية، تعكس حرصه على أن يكون مشروع مدينة عمرة متكاملًا، يليق بالطموحات العمرانية، وليس مجرد تراكم عشوائي للبناء على الرمال. إنه نموذج للتخطيط المسؤول، الذي يوازن بين الطموح الاقتصادي والاحتياجات البيئية والاجتماعية، ويضع المدينة على طريق النجاح المستدام.

وفي ضوء ذلك، فإن رؤية الدكتور مراد ليست مجرد ملاحظات فنية، بل خارطة طريق واضحة نحو مستقبل حضري منظم ومستدام، يعكس اهتمامه بالمجتمع والبيئة والاقتصاد معًا. لقد استطاع ببصيرته أن يحوّل الصورة الضبابية لمشروع مدينة عمرة إلى رؤية واضحة يمكن البناء عليها، مانحًا الأمل في أن تصبح هذه المدينة نموذجًا يحتذى به في التخطيط الحضري الحديث.

إن مشروع مدينة عمرة، بإشراف خبراء مثل الدكتور مراد، قادر على أن يتحول من فكرة مبهمة على الرمال إلى مدينة نابضة بالحياة، مستدامة ومتكاملة، تواكب التحديات الحديثة وتحقق طموحات السكان والمستثمرين على حد سواء. وفي نهاية المطاف، تظل نصائحه وإرشاداته علامة فارقة في أي مشروع عمراني، تعكس المهنية والحكمة والوعي الحضاري، لتصبح مرجعًا لكل من يسعى إلى بناء المدن المستقبلية على أسس سليمة ومتينة.

مواضيع قد تعجبك