خبرني - في قراءة ورؤية متأنية من قِبَل المتابع للحياة الحزبية والسياسية في الأردن بشكل خاص، والعالم العربي بشكل عام، يجد جليًا أمامه أن الأحزاب العقائدية ( اليسارية والقومية ) بدأت بالتلاشي والاختفاء ، أو ينتابها الوهن والضعف وذلك للعديد من الأسباب منها ما يعود للمبادئ والايدولوجيات التي تعتنقها تلك الأحزاب والاستمرار في خطابها السياسي والاجتماعي المصاب بالشيخوخة و الذي لا يحاكي تطلعات الشباب المستقبلية ، وعدم ملامسته لهموم الوطن والمواطن المباشرة مما أدى الى عدم ثقة المواطن العربي في هذه البرامج والأيدولوجيات لعدم ملائمتهما للواقع والمتغيرات السياسية في المنطقة العربية ، ومنها ما يعود لثبوت فشل تجربتها السياسية والاقتصادية عند تولي تلك الأحزاب الحكم في بعض الدول ، والتي وصلت إلى الحكم بانقلاب عسكري أو بقوة السلاح ، لا من خلال الفكر والمبادئ التي يحملونها ولا من خلال زرع العقيدة والإيمان بفكر الحزب وأهدافه . نعم ، بقوة السلاح استمروا حتى تاريخ زوالهم وزوال أحزابهم في تلك الدول التي لم يمارسوا فيها الديمقراطية والحرية التي ينادون بها ، فالقبضة الأمنية التي مارستها تلك الأنظمة الدكتاتورية في الحكم هي ما ترسخ في ذهن المواطن العربي عن هذه الأحزاب وتاريخها الامني القمعي .
وقد يكون السبب الأوجه بنظري لتلاشي هذه الاحزاب وضعفها في الشارع العربي وقلة منتسبيها وبقائها زينة سياسية في دولنا العربية عدم وجود زعامات سياسية حقيقية لديها حرفة قيادة هذه الأحزاب قادرة على التجديد في الفكر، فالقيادات الحالية في كثير من هذه الأحزاب من متقدمي السن وتدير أحزابها بذات أسلوب حكام الدول الذين حكموا دولهم أبان توليهم قيادة هذه الأحزاب ، إذ أن ضعف قيادات المرحلة وعدم إيمانهم ابتداءً بالشعارات التي يحملونها وعدم قدرتهم على تجديد الخطاب السياسي والاجتماعي والاقتصادي وعدم تغيير لغة الحوار وعدم احترام الراي الاخر وعدم ممارسة الديمقراطية والحرية داخل احزابهم وتنظيماتهم يؤدي الى تلاشيها فهم يمارسون ما تمارسه الحكومات في الدول الديكتاتورية بإتقان شديد، لا يقبل الرأي الآخر ، ولا يُفسح له مجالًا، تجدهم يطالبون بتطبيق الديمقراطية، ولا يعرفونها ولا يمارسونها داخل أحزابهم أو مع الآخر، وبنفس طريقة الحكومات التي ينتقدونها، وأيضًا تراهم يحاربون الشللية والمحسوبية والمناطقية ، على الرغم من ممارستها داخل أحزابهم لضمان بقائهم في قيادة الحزب وتزعمهم له ، بل وأكثر من ذلك، إنهم يمارسونها في أحزابهم تحت شعار " التكتل للإصلاح والتغيير " و "محاربة المخربين في الحزب والخونة"، وشعارات ما أنزل الله بها من سلطان.
ليس هذا فحسب، بل يتجلى الأمر كذلك في جهلهم بممارسة العمل السياسي وعدم استيعابهم للأوضاع الاقتصادية ، وعدم امتلاكهم مشاريع نهضوية أو برامج تصلح للتطبيق في القرن الحادي والعشرين لتقديمها للحكومات او طرحها للراي العام . فتجدهم يدعون إلى محاربة البطالة ولا يقدمون خططًا للحد منها ، ينادون بتطوير الاقتصاد و مؤسسات الدولة ، ولا يعرفون مشكلاتها ابتداءً ، فكيف لهم أن يقترحوا أو يحملوا حلولًا وبرامجًا اصلاحية ؟ بل تكاد تشعر أنهم يحاربون أي خطط مقترحة من الآخر صالحة للتطوير والنهوض في المجتمع والدولة .
لا أعلم، ان كان ذلك عائد لجهل هذه القيادات، أم أن ذلك عائد لإحجام المتخصصين في كثير من المجالات عن الانتساب لتلك الأحزاب ؟
وللأسف، يكتفون بالمعارضة، و في كثير من الأحيان لا تعلم لماذا يعارضون؟ هل من مبدأ أنه حزب معارضة ؟ أم من باب اشعار الحكومات بوجودها دون علم ودراية تامة في السياسة والاقتصاد ؟ ام لبحثهم عن مكانة في الوسط السياسي والعمل العام ؟
فهم يعيشون في ظل الماضي؟ لا تسمعهم يتحدثون عن المستقبل في جلساتهم او عن مشاريع مستقبلية او حلول لأي مشكلة اجتماعية او سياسية او اقتصادية ، بل يتغنون بأمجاد الماضي، وكيف كانت أحزابهم تؤثر في الشارع العربي وعن بطولاتهم الماضية او عن احداث اثناء زياراتهم للدولة التي حكم بها حزبهم ، وقد يكون مرد ذلك ان قيادات واعضاء هذه الاحزاب من المتقدمين في السن فهناك فجوة عمرية وعلمية بينهم وبين الواقع و جيل الشباب الذي يتطلع الى المستقبل ولا يطرب بالحديث عن أمجاد الماضي فهو غير مقتنع بالشعارات الثورية التي لا تحاكي الواقع ولا تهتم بحياته المعيشية والاقتصادية والعلمية .
لعل غزارة اللا شيء وكثرة اسباب التلاشي قد تدافعتا بقوة وتزاحمتا في ذهني وانا اكتب هذه الكلمات ، بحثا عن مكان تعبر فيه عن رفضها للواقع الذي الت اليه تلك الاحزاب السياسية ، ويبقى السؤال هل سوف تتلاشى هذه الاحزاب كليا أم سوف تبقى زينة سياسية في الدولة حتى تتلاشى بالكامل ام هل سيأتي يوم وتعود للنهوض




