*
الاثنين: 15 ديسمبر 2025
  • 12 تموز 2025
  • 10:04
عندما يكون العجز داخليا
الكاتب: رنا الطويل

خبرني - لحظاتنا التي يتوقف فيها الزمن لا تُعلن عن نفسها بصوت عالٍ، ولا تأتي دائمًا نتيجة خسارة أو انكسار خارجي. أحيانًا، كل ما في الأمر أن الروح تتعب بصمت، وتتوقف عن السعي دون أن يعرف أحد.

نمشي بين الناس، نحمل ابتساماتنا كأقنعة، ونقول “كل شيء بخير”، بينما في الداخل هناك صوت خافت يهمس: لا طاقة لي بشيء. ذلك الصوت ليس غريبًا، بل مألوفًا أكثر مما نظن. هو العجز، لكن ليس ذاك الذي تفرضه الظروف أو يعكسه العجز الجسدي، بل العجز الذي يسكن فينا نحن. عجزٌ لا يُرى، لكنه يشلّ الإرادة.

لا يأتي من فقر أو حرمان، بل من استسلام النفس وتخاذل الروح. كم من إنسان لم تُمنَح له الفرص، لكنه شقّ طريقه بإصرار، وكم من آخر أُتيحت له السبل كلها، لكنه بقي مكانه، يبرر، يؤجل، يخاف. العجز الداخلي ليس ضعفًا، بل انسحابٌ من الحياة تحت مظلة الحذر، هو الاستسلام لفكرة أننا لسنا كفاية، وأن الفشل محتوم، وأن المحاولة لا تستحق العناء. نختبئ خلف الأعذار، نضع على الظروف كل اللوم، ونهرب من مواجهة أنفسنا.

وفي كل مرة نتراجع فيها عن خطوة، نُطعم ذلك العجز فينا، حتى يكبر ويغدو واقعًا. الأمر لا علاقة له بما نملكه، بل بما نؤمن به. ما نقوله لأنفسنا في الليل حين لا يسمعنا أحد، هو ما يشكل اختياراتنا في النهار.

ليس كل من يبتعد خائف، وليس كل من يصمت عاجز، لكن الذين يتوقفون عن المحاولة، غالبًا ما يكونون قد صدقوا كذبة داخلية زرعها الخوف في لحظة ما، ونمت بمرور الوقت. كسر هذا العجز لا يتطلب معجزة، بل يتطلب صدقًا. أن تنظر إلى نفسك وتقول: نعم، خفت. نعم، أجلت. نعم، اختبأت. لكني الآن أقرر أن أتقدّم. لا لأن الطريق سهل، بل لأنني تعبت من الوقوف. القرار ليس أن أكون بطلاً، بل أن أكون صادقًا. مع نفسي أولًا. أن أعترف بأنني لم أكن ضعيفًا، بل كنت خائفًا.

ولم أكن فاشلًا، بل مترددًا. ولم أكن عديم الحيلة، بل فقط لم أمدّ يدي. الحياة لا تنتظر من يُتقن كل شيء، بل من يُجرّب. وعندما نُجرّب، سنفشل أحيانًا، لكننا سنحيا على الأقل. سنخطئ، لكننا لن نتجمّد. عندما يكون العجز داخليًا، فإن الانتصار لا يُقاس بالنتائج، بل بجرأة البدايات.

أن تبدأ وأنت مرتبك، أن تتحرك وأنت لا تملك كل الأجوبة، أن تفتح بابًا لمجرد أنك لا تحتمل البقاء خلفه. ذلك وحده كافٍ لكسر الجدار الذي بنيناه نحن، لبنةً لبنة، من خوف وصمت وانتظار. في النهاية، لا أحد يملك أن يمنحنا الحياة سوانا، ولا أحد يستطيع أن يوقظنا من غفلتنا سوى صوت في الداخل يهمس: قُمْ…

لقد آن الأوان. لأن الحقيقة الأكثر وضوحًا والأشد بُطئًا في الفهم هي: لا شيء يحدث خارجنا… ما لم يحدث فينا أولًا.

مواضيع قد تعجبك