*
الاربعاء: 10 ديسمبر 2025
  • 09 تموز 2025
  • 17:31
الموت الرحيم للضمير الجمعي
الكاتب: المحامي الدكتور ربيع العمور

خبرني - في ناس بتموت، وفي ضمائر بتُقتل…
بس المصيبة لما الضمير يُساق للموت "برضاه"، بهدوء، بلا مقاومة… وكأننا منحكيله: ارتاح، تعبناك معانا، نام.

صرنا نشوف الدم وكأنه لون عادي،
نشوف الطفل تحت الركام ونقلب الصورة،
نسمع عن الفساد ونضحك،
نمر من جانب متسوّل ونشد السترة،
نحضر موت غزة على التلفزيون… ونكمل عشانا.

وين راحت الرجفة؟ وين راحت الغصة؟

الضمير الجمعي – اللي كان زمان يهز شارع، يسقط حكومة، يوقف حرب – مات.
بس ما مات فجأة،
انقتل بالتدريج، بجرعات مدروسة من التبلّد، من الكذب، من الإعلام، من القهر، من "وشو دخلني؟".

صرنا نعيش بـ"اللا إحساس"، ونتفاخر إنو الواحد صار "مش فارقة معه".
وهاي أخطر مرحلة بتمر فيها الشعوب…
مش مرحلة الجوع، ولا الفقر، ولا القمع…
بل مرحلة: "انعدام الشعور".
لأن الجوع ممكن يولّد ثورة،
والقمع ممكن يولّد مقاومة،
بس "التبلّد"؟
بخلّي الناس تمشي على جثث بعضها… وتضحك.

 القانون والعدالة: عندما يغفو الضمير خلف النصوص

القانون ما بكون عادل إذا ما سكن فيه ضمير.
العدالة مش بس مادة بتنعرض تحت قبة البرلمان، ولا حكم بينسرد بلسان القاضي…
العدالة إحساس حي، إذا مات… القانون نفسه بيصير أداة ظلم مشرعن.

في قانون بيحمي الإنسان،
وفي قانون بيحمي الامتيازات،
والفرق بينهم… الضمير.

القاضي بلا ضمير، بيمشي على النص كأنه روبوت،
والمشرّع بلا ضمير، بيخيط القوانين على مقاس السلطة، مش على مقاس العدالة.

كم قانون وُضع لتقنين القمع؟
وكم حكم صدر باسم العدالة وهو مسموم؟
وكم ضحية طُلب منها الصمت لأن القانون، أحيانًا، يغضّ الطرف عن المستضعف... ويُنصف الأقوى؟

القانون بلا بوصلة أخلاقية، بيصير غابة،
والمحكمة بلا رحمة، بتصير مشرحة.

الضمير هو اللي بحوّل القانون من سيف إلى ميزان،
ومن خوف إلى أمان،
ومن نص جامد… إلى عدالة حقيقية.

متى مات الضمير الجمعي؟

ما مات بيوم،
مات لما صارت الناس تحكي "شو دخلني؟" أكتر من "شو لازم أعمل؟"
مات لما صارت النكتة على الشهيد توصلنا أسرع من خبر استشهاده،
مات لما كل حدا صار يدور على خلاصه الشخصي… ولو على حساب الباقي.
مات لما صار الحق قضية خاسرة، والباطل مدعوم بإعلانات ممولة.

مات الضمير لما صرنا نعيش على الهامش، ونتفرّج على المآسي كأنها مش إلنا.
مات لما صرنا نخاف من كلمة، ونهرب من موقف، ونشوف الظلم ونسكّت.

 هل في أمل؟

آه، دايمًا في أمل…
بس مش بالأمنيات، بالوقفة.
مش بالشعارات، بالفعل.

لازم نرجّع سؤال زمان:
"لو كل الناس سكتت… أنا رح أكون مين؟"

الضمير الجمعي ممكن يُبعث،
لما نرجع نحس،
ولما نوقف نخجل من إنسانيتنا،
ولما نرفض نعيش كأرقام في دفتر الدولة أو كمتابعين صامتين في مسرح الجريمة.

الموت الحقيقي مش لما القلب يوقف…
الموت الحقيقي لما نحضر الظلم… وما نرجف.

مواضيع قد تعجبك