*
الاربعاء: 10 ديسمبر 2025
  • 08 تموز 2025
  • 13:46
مدينة العقبة مؤهلة للاستجابة للاقتصاد الأزرق
الكاتب: الدكتور زيد أحمد المحيسن

خبرني - في ظل التحديات البيئية والاقتصادية التي يشهدها العالم، تبرز مدينة العقبة الأردنية كنموذج فريد يجمع بين الجغرافيا الحيوية والموقع الاستراتيجي، ما يجعلها في صدارة المدن الساحلية المرشحة لتبني مفهوم الاقتصاد الأزرق، الذي أصبح ضرورة ملحة لا ترفًا فكريًا. فالعقبة، الواقعة على ضفاف البحر الأحمر، ليست مجرد مرفأ بحري أو منطقة سياحية، بل هي نافذة الأردن البحرية الوحيدة ومصدر ثراء بيئي وبحري لا يُقدّر بثمن. إن اقتصاد المستقبل، القائم على الاستدامة والتوازن بين الإنسان والبيئة، يتطلب إعادة صياغة العلاقة مع البحر بوصفه موردًا حيًا ومصدرًا للفرص، وليس مجرد ممر تجاري أو وجهة ترفيهية موسمية.
إن الاستجابة للاقتصاد الأزرق في العقبة تعني توظيف مقدراتها الطبيعية بطريقة ذكية تحترم النظم البيئية البحرية، وتحفّز في الوقت ذاته الابتكار والإنتاج المستدام. فالشعاب المرجانية التي تزين أعماق البحر، والثروات السمكية التي تنبض بالحياة، والموقع الذي يتوسط قارات ثلاث، كلّها تؤهل المدينة لتكون حاضنة لصناعات بحرية متقدمة، ولمشروعات طاقة متجددة، ولمبادرات بحثية يمكن أن تجعل من العقبة مختبرًا حيًا للاقتصاد الأخضر والأزرق معًا. ولا تقتصر الإمكانات على الجانب البيئي وحسب، بل تمتد لتشمل البُعد الاجتماعي والاقتصادي، حيث يمكن لهذا التوجه أن يفتح آفاقًا جديدة للتوظيف والتنمية المحلية، خصوصًا في قطاعات مثل الزراعة البحرية، والسياحة البيئية، وتكنولوجيا المياه، والنقل البحري النظيف.
ولعل ما يزيد من أهمية تبني الاقتصاد الأزرق هو ما يشهده البحر الأحمر من تغيرات بيئية وتحديات مناخية تستدعي تحركًا استباقيًا لحماية النظم البيئية الهشة وضمان استدامة الموارد البحرية. ومن هنا، يصبح الاستثمار في البنية التحتية الخضراء، وفي القدرات البشرية المحلية، وفي التعاون الإقليمي والدولي، ركيزة أساسية لأي نهضة حقيقية في هذا الاتجاه. إن العقبة بحاجة إلى رؤية شمولية تتكامل فيها السياسات البيئية مع خطط التنمية الاقتصادية، بحيث تكون الاستدامة معيارًا أساسيًا لأي نشاط أو مشروع يُقام في فضائها البحري أو الساحلي.
ليس من المبالغة القول إن مستقبل العقبة قد يتحدد بمدى استجابتها لهذا التحول في الفكر الاقتصادي العالمي، فالمدن التي تحسن استغلال مواردها الطبيعية بوعي وحكمة، هي التي تضمن لنفسها مكانًا في عالم يتغير بسرعة، وتزداد فيه الضغوط على الموارد والأنظمة البيئية. وعليه، فإن الانتقال نحو الاقتصاد الأزرق ليس خيارًا نظريًا، بل هو ضرورة وجودية، تفرضها اعتبارات البيئة والعدالة والتنمية معًا. والعقبة، بما تملك من مقومات وما تواجه من تحديات، يمكن أن تكون قصة نجاح إقليمية في هذا المجال إذا ما توفرت الإرادة والتخطيط والرؤية بعيدة المدى..
 

مواضيع قد تعجبك