خبرني - في سابقة غريبة ها هو الشرق الأوسط اليوم يقف شاهد زور على مسرح سياسي لا يشبه أي مشهد سابق. حيث يعلن ترامب أن السلام على الأبواب، و هدنة غزة على وشك أن تحقق المعجزات. لكن،حقيقة خفية تظهر على الطاولة حول هل هذه الهدنة حقًا وقف للنار، أم بداية لصراع أعمق يُدار من خلف الكواليس؟ هل نُشاهد ولادة سلام أم مجرد مراوغة سياسية تُمهد لتغيير إقليمي لا مكان فيه لنتنياهو؟ ليطفو سؤال مركزي على السطح،هل سيختلف الشرق الأوسط فعلًا بغياب "بيبي"؟؟
ستبدأ اللعبة الأمريكية الإسرائيلية الجديدة في غزة بطلقة مدوية بوصفها مدخلًا نحو "سلام تأريخي"، ، إلا أن صوتها لا يعلن نهاية الحرب، بل تتكشف خلف هذا الإعلان نوايا أكثر تعقيدًا ترتبط بإعادة ترتيب خريطة النفوذ الإقليمي، والتخلّص التدريجي من عبء نتنياهو السياسي.
الهدنة، المقررة لمدة 60 يومًا، لا تأتي كإستجابة إنسانية بقدر ما تعكس مناورة استراتيجية مزدوجة. فمن جهة، يسعى ترامب إلى تثبيت صورته كصانع للسلام في الشرق الأوسط، في إطار حملة انتخابية محتملة. ومن جهة أخرى، يحاول نتنياهو شراء الوقت في ظل أزمات داخلية خانقة، من تحقيقات الفساد إلى الضغوط المتزايدة من الشارع الإسرائيلي، حتى من داخل معسكره نفسه.
لكن هذه التهدئة لا تعني انتهاء الصراع. بل تمثل بداية فصل جديد من التوترات المُدارة. إذ تتعامل واشنطن مع الملف عبر وسطاء إقليميين، لكنها تُبقي على زمام السيطرة، مفروضة بشروط صلبة على كل من حماس والوسطاء. ما يُبرز أن "السلام" ليس إلا أداة تكتيكية لتحريك ملفات أعمق، على رأسها شكل الحكم داخل إسرائيل، ومستقبل النفوذ الأميركي في المنطقة.
نتنياهو، الذي شغل موقعًا محوريًا في بناء تحالفات مشروطة وتطبيع مغطى بدماء الفلسطينيين ككل، يجد نفسه اليوم في زاوية ضيقة. ليس فقط بسبب القضايا القانونية، بل بفعل تبدّل المزاج الدولي، وتراجع دعم حلفاءه التقليديين في الخليج، خصوصًا مع تعثّر مشاريع مثل "السلام الإقتصادي" و"اتفاقيات أبراهام".
رحيل نتنياهو، إن حصل، لن يكون مجرد تغيير في القيادة، بل لحظة مفصلية قد تعيد رسم توازنات القوة داخل إسرائيل والمنطقة. فالصراع القادم قد لا يكون فقط بين إسرائيل وغزة، بل بين مشاريع سياسية متضادة داخل إسرائيل نفسها: من جهة معسكر يريد مواصلة الحرب بمظهر أكثر "اعتدالًا"، ومن جهة أخرى تيارات أشد تطرفًا تسعى لإستثمار الفوضى وملء الفراغ.
أما على الجانب الفلسطيني، فالوضع لا يقل تعقيدًا. فحماس التي خاضت حربًا طويلة، تجد نفسها الآن أمام هدنة ضيّقة الأفق، تُدار بشروط قاسية ووعود هشّة، ما يجعلها في موقف استراتيجي حساس، إما قبول التهدئة على حساب التأثير السياسي، أو مواجهة عزلة إقليمية ودولية متزايدة.
في خلفية هذا المشهد، يبقى الحضور الإيراني فاعلًا. فإيران، رغم تلقيها ضربات، لا تزال تملك أوراقًا استراتيجية عميقة عدة. والمواجهة معها، ولو مؤجلة حاليًا، تظل حاضرة في كل حسابات واشنطن وتل أبيب.
في المحصلة، هدنة غزة ليست نهاية لحرب، بل استراحة تكتيكية في صراع مفتوح. مرحلة انتقالية تُختبر فيها نوايا الأطراف الكبرى، وتُعاد فيها هندسة التحالفات الإقليمية. لكن يبقى الوعي السياسي هو الضامن الوحيد لفهم ما يجري، والقدرة على التفاعل معه كفاعل لا كمجرد متفرج.
هل نحن مستعدون لأن نكون شهودًا فاعلين لا متفرجين في هذه اللعبة؟ أم سنظل نقبل أن يُكتب مصيرنا بيد آخرين، وننسى أن القوة والوعي هما أقوى أدوات المقاومة؟.
فالسلام الحقيقي لا يُصنع في المؤتمرات أو عبر تغريدات سياسية، بل عبر إدراك الشعوب لما يُحاك بإسمها. وهذا الوعي وحده هو حجر الأساس لبناء شرق أوسط مختلف، لا تصنعه المراوغات، بل تصنعه الشعوب