خبرني -
طالعتنا الصحف اليومية والمواقع الإلكترونية منذ أيام بقرار رئاسة الوزراء، بناءً على تنسيب مجلس التعليم العالي، بتقليص مدد الإقامة المطلوبة من الطلبة الأردنيين الدارسين خارج الأردن إلى حدود دنيا نوعًا ما، لتصبح ٨ أشهر فقط لمرحلة الماجستير في التخصصات الإنسانية والعلمية، وكذلك ٨ أشهر فقط لمرحلة الدكتوراه في التخصصات الإنسانية، و١٦ شهرًا لمرحلة الدكتوراه في التخصصات العلمية.
إن اتخاذ مثل هذا القرار قد يثير قلقًا مشروعًا ويطرح عدة تساؤلات لدى البعض حول جودة التعليم العالي ومخرجاته الأكاديمية، حيث يرى البعض ممّن يتخوفون من هذا القرار أن تقليص مدة الإقامة يُشكّل تهديدًا مباشرًا لجودة التعليم، لأن مدة الإقامة الأكاديمية في الخارج - بنظرهم - ليست مجرد إجراء إداري، بل هي ضمانة لاندماج الطالب في البيئة البحثية والعلمية، وتكفل المتابعة المنتظمة والمباشرة من المشرفين والمؤسسات الأكاديمية. ويضيف هؤلاء أن تقليص هذه المدة قد يُضعف فرص الانخراط الحقيقي في البيئة البحثية، ويفتح الباب للشكوك في مصداقية الشهادات، إذ إن تقصير فترات الإقامة قد يعزز لديهم الانطباع بأن الشهادات قد تُمنح دون التحقق الكامل من الجهد الأكاديمي المبذول، مما قد يعيدنا فعلاً إلى "عصر الانتساب"، حينما كانت تُمنح الشهادات على الورق لا على أساس الكفاءة والبحث.
بالإضافة إلى ذلك، إن تقليص مدة الإقامة للدراسة في الخارج - بنظر أصحاب هذا الرأي - إلى هذا الحد سيؤدي إلى إغراق السوق وزيادة البطالة الأكاديمية، فالتوسع السريع في أعداد حَمَلة الشهادات العليا من دون حاجة فعلية في سوق العمل، ومن دون تأهيل علمي رصين، سيؤدي إلى نتائج عكسية ومجتمعية كارثية، منها: التضخم الأكاديمي، وفقدان القيمة الرمزية والعلمية للشهادات العليا، وتفاقم البطالة بين الشباب المتعلمين. وأخيرًا، يرى هؤلاء أن تقليص المدة إلى هذه الحدود الدنيا له أثر سلبي على سمعة الجامعات الأردنية، فإذا أصبح الحصول على الشهادات العليا سهلاً ولا يتطلب جهدًا حقيقيًا، فإن ذلك قد ينعكس سلبًا على سمعة الأكاديميين الأردنيين دوليًا، ويُضعف من فرص التعاون والاعتراف الدولي والأكاديمي مع الجامعات الأردنية.
من جهة أخرى، قد يقول المؤيدون لهذا القرار إنه يراعي الظروف الاقتصادية للطلبة، ويقلل من التكاليف المالية للدراسة والإقامة في الخارج، وربما يُسرّع من إنتاج الكفاءات الوطنية. ولكن الحل - برأيي المتواضع - لا يكون بتقليص المعايير، بل من خلال دعم مالي حقيقي للطلبة المتميزين الدارسين في الخارج، وتشجيع الشراكات والبحث العلمي مع جامعات عالمية بنظام إشراف مشترك داخل الجامعات الأردنية، بدلاً من تسهيل استيراد الشهادات.
ويمكن الإيجاز بأن تقليص مدد الإقامة إلى هذه الدرجة دون إجراءات ضابطة وصارمة هو خطر استراتيجي على مستقبل التعليم العالي في الأردن، ويستدعي مراجعة جادة من قبل مجلس التعليم العالي.
د. سمير ناصر عليمات
قسم اللغة الإنجليزية وآدابها - الجامعة الهاشمية
أستاذ جامعي وكاتب في قضايا التعليم العالي




