*
الاحد: 14 ديسمبر 2025
  • 12 حزيران 2025
  • 19:57
الأردن وسط أزمات الإقليم  من الخيارات المتاحة
الكاتب: الدكتور زيد احمد المحيسن

خبرني - يجد الأردن نفسه اليوم في قلب إقليم تتلاطم فيه الأمواج السياسية والأمنية والاقتصادية. بين صراعات مشتعلة وأخرى كامنة، وبين تحالفات متغيرة ومصالح متقاطعة، يقف الأردن بثبات يحسد عليه، مدفوعًا بتاريخه من الاعتدال السياسي ورؤيته المتزنة، لكنه في ذات الوقت محاط بتحديات لم تعد تقليدية، بل وجودية في بعض أبعادها.
من سوريا شمالاً، حيث الأزمة لم تفقد حدتها رغم تراجع صداها الإعلامي، إلى فلسطين غربًا، حيث الاحتلال والانسداد السياسي يعيدان إنتاج الأزمات يوميًا، مرورًا بالعراق شرقًا الذي يحاول استعادة توازنه وسط تنافسات إقليمية ودولية، ووصولًا إلى الجنوب حيث التحولات في البحر الأحمر والخليج، كلها ترسم خارطة ضغط متواصلة على القرار الأردني. هذا الموقع الجغرافي الذي منح الأردن قيمة استراتيجية، بات كذلك مصدرًا لضغوط متشابكة تتطلب قراءة دقيقة للمشهد واختيارًا محسوبًا للخيارات الممكنة.
الرهان الأردني كان – ولا يزال – على ثوابت السياسة: الاعتدال، الدبلوماسية الهادئة، والعلاقات المتوازنة مع مختلف الأطراف. لكنه رهان لا يكفي وحده في زمن تتغير فيه قواعد اللعبة السياسية، وتتداخل فيه ملفات الأمن والاقتصاد والهوية. لقد أثبت الأردن مرارًا أنه قادر على الصمود، لكنه اليوم مطالب بالانتقال من استراتيجية "إدارة الأزمات" إلى استراتيجية "استباق الأزمات"، وفرض موقعه لا كمفعول به، بل كفاعل مؤثر، حتى ضمن مساحة محدودة من النفوذ.
الخيارات المتاحة أمام الأردن ليست كثيرة، لكنها حيوية. أولها الحفاظ على الاستقرار الداخلي، عبر تعزيز الجبهة الداخلية سياسيًا واقتصاديًا، وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية، خصوصًا الشباب، الذين يمثلون نصف المجتمع وطاقته الأكبر. ثانيها تعزيز التحالفات الذكية، لا بالاصطفاف الأعمى، بل ببناء شراكات مرنة تحفظ للأردن استقلال قراره. وثالثها توسيع الدور الإنساني والدبلوماسي في ملفات اللاجئين والسلام، باعتباره ورقة قوة أخلاقية وسياسية يمتلكها الأردن بجدارة.
كما لا يمكن تجاهل أهمية الملف الاقتصادي كخيار رئيسي للبقاء. فتنويع مصادر الدخل، والانفتاح على أسواق جديدة، والاستثمار في الطاقات المحلية، وفي مقدمتها طاقات الشباب، ليست رفاهية، بل ضرورة لحماية القرار الوطني من التبعية والضغط.
إن الأردن، رغم ضيق المساحة الجغرافية، يمتلك فسحة استراتيجية أوسع من الجغرافيا، قائمة على رصيده من الثقة الإقليمية والدولية، وعلى تاريخه من الاعتدال والوسطية، سياسيًا ودينيًا. والمرحلة القادمة تتطلب منه أن يظل حاملًا لهذا الخطاب، لكن بروح متجددة، أكثر جرأة، وأكثر قدرة على المناورة في إقليم لا يعرف الثبات.
بهذا الوعي، وبتكامل بين الدولة والمجتمع، يمكن للأردن أن يحافظ على مكانته، ويحوّل التحدي إلى فرصة، وسط إقليم مضطرب يبحث عن نماذج عقلانية تملك شجاعة البقاء ومرونة التكيف..

مواضيع قد تعجبك