ضرر بالإنتاجية وبرفاهة الموظفين

أظهر مسحٌ أجرته شركة التكنولوجيا العملاقة مايكروسوفت في 2023 وشمل 31,000 شخص من 31 دولة - أن الاجتماعات غير الفعالة هي العقبة "رقم 1" للإنتاجية، في حين جاءت الاجتماعات المفرطة في المرتبة الثالثة.

ويقول البروفيسور ليكر إن أبحاثه تظهر أنه "عندما يتم تقليص الاجتماعات بنسبة 40% (وهو عادة ما يعادل يومين خاليين من الاجتماعات أسبوعياً)، تزداد إنتاجية الموظفين بنسبة 71 في المئة ويتحسن رضاهم الوظيفي بنسبة 52 في المئة. الاجتماعات المفرطة تشتت الانتباه وتعطل العمل الذي يحتاج إلى تركيز كبير".

وفضلاً عن تأثيرها السلبي على إنتاجية العمل، فإن الاجتماعات المفرطة غير المثمرة تؤدي أحياناً إلى فقدان الثقة بالنفس والخوف من تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات الصعبة.

تقول الدكتورة جونز إنه "عندما تتكرر الاجتماعات كثيراً وتكون سيئة التنظيم، فإنها عادة ما تتحول من وسيلة لدفع العمل إلى الأمام إلى وسيلة لتأجيله .. في بعض الحالات، تُستخَدم الاجتماعات لتعطي انطباعاً زائفاً بإحراز التقدم، بينما ما يتم فعلياً هو تفادي الاختيارات الصعبة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تكريس ثقافة تجنب المخاطر، إذ تتوزع المسؤولية ولا يشعر أحد بالالتزام بأخذ زمام المبادرة. وفي النهاية، بدلاً من أن توضح المسؤولية والمساعدة على تحقيق نتائج، من الممكن أن تؤدي الاجتماعات المفرطة إلى تقويض جودة القرار وكفاءة المؤسسة".

من الأعراض الأخرى لـ"داء الاجتماعات" التوتر والإرهاق النفسي والجسدي، أو ما يسميه علماء النفس "إجهاد الزوم Zoom Fatigue". يقول البروفيسور ليكر إنه لاحظ من خلال الأبحاث التي أجراها في هذا المجال "انخفاضاً قدره 57% في مستويات التوتر المبلغ عنها عندما تُقَلل الاجتماعات، وهو ما يشير إلى فوائد حقيقية للصحة العقلية والنفسية، بل والبدنية".

يلجأ بعض الموظفين، مثل أحمد، إلى ما يمكن أن نَصفه بالحضور السلبي الذي يفتقر إلى المشاركة الفعالة لأنهم يشعرون بأن آراءهم غير مهمة أو بأن الاجتماع غير مفيد من الأصل، وكان من الأحرى تكريس الوقت الذي يستهلكه الاجتماع للعمل.

لكن الدكتورة جونز تنبه إلى أن ذلك من الممكن أن يعزز لدى الموظفين الشعور بالسخرية والانفصال عن العمل. كما قد تكون له آثار على انطباعات الزملاء، وهو ما يؤدي إلى تداعيات سلبية على سمعة الموظف أو حياته المهنية.

 

ما الحل؟

يتضح مما سبق أن تقليل عدد الاجتماعات ومددها قد يكون بداية جيدة لمعالجة "داء الاجتماعات". ولكن هل هناك طول يُعد مثالياً للاجتماع الواحد، أو عدد مثالي للاجتماعات الأسبوعية مثلاً؟

"بكل تأكيد"، هكذا أجاب البروفيسور ليكر عن سؤالي السابق، موضحاً أن بيانات أبحاثه "توضح أن ثلاثة أيام خالية من الاجتماعات أسبوعياً تحقق التوازن المثالي. يعادل ذلك تخفيضاً قدره 60% في الاجتماعات ويؤدي إلى أعلى زيادة ممكنة في الإنتاجية والتعاون والرفاهة، من دون أن يفضي إلى عزل فرق العمل أو تقويض جودة التواصل".

الأمر الثاني هو التأكد من أن الاجتماع يُعقَد لضرورة لا لمجرد العادة، والتأكد من أنه يحقق أهدافه. ولكي يتأتى ذلك، ينبغي أن يكون لكل اجتماع جدول أعمال ونتيجة متوقعة ومبرر لحضور كل مشارك.

ولكي تضمن الشركات والمؤسسات أن تكون اجتماعاتها ضرورية ومثمرة، ينبغي "أن تبدأ بتطبيق معيارين: الغاية والمشاركة"، كما يقول البروفيسور ليكر، الذي يضيف: "نتائج أبحاثنا تُظهر أنه عندما تُمنَح فرق العمل صلاحية إلغاء الاجتماعات التي لا تستوفي هذه المعايير، فإن ذلك لا يؤدي فقط إلى تخفيف ازدحام جداول المواعيد، بل أيضاً إلى شعور الموظفين بثقة أكبر وانخراط أكثر في العمل".

تقول الدكتورة جونز إن ثقافة العمل التي "تعطي أولوية للأغراض الواضحة وتُراجِع بشكلٍ دوريٍ هياكل الاجتماعات وتُمكّن الأفراد من التساؤل عما إذا كان الاجتماع هو حقاً أفضل وسيلة لاستخدام الوقت - هي ثقافة يُرَجح أن تعزز التعاون المثمر والمركز".

وتضيف أن "بعض المؤسسات، بما فيها المؤسسة التي أعمل بها، أطلقت مبادرة "الأسابيع الهادئة" التي تحث على عدم عقد اجتماعات خلالها. مثل هذه المبادرات من الممكن أن تكون فعالة للغاية، غير أن نجاح هذه المبادرات مرهون بالتزام الجميع بها. فإذا ضرب بعض المديرين بهذه المبادرات عرض الحائط، قد يؤدي ذلك إلى المزيد من الإحباط لدى الموظفين".

في الختام، مشكلة الاجتماعات المفرطة أو "داء الاجتماعات" لا تتمثل في الاجتماعات في حد ذاتها، وإنما في العادات المؤسسية التي تحتاج إلى تغيير. وعندما يكون هناك تخطيط جيد للاجتماعات ويوضع جدول أعمال واضح لها، وتُعقَد فقط عندما تقتضي الحاجة إليها ويُعطَى الموظفون حرية الاقتراح أو الرفض - من الممكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة الإنتاجية وشعور الموظفين بأن وقتهم محترم وأنهم منخرطون في عمل حقيقي.

*"أميرة" و"أحمد" اسمان مستعاران، إذ طلب المشاركان إخفاء اسميهما الحقيقيين.