خبرني - جرش… المدينة التي همس لها الزمن
ليست كل المدن تُشاهد…
بعضها يُشعر.
وبين مدن العالم، وحدها جرش تمشي إليك… قبل أن تمشي أنت إليها.
في قرى الشمال، كانت الجدّات يجلسن قرب المواقد، يروين حكاية مدينة "حجرها بيحكي"، و"أعمدتها واقفة من هيبة الزمان".
جرش... لم تكن مجرد أطلال، بل كانت بطلة الحكايات، ومسرحًا لحكايات الحب والحرب، والأسواق والولائم، والفرح والألم.
كانوا يقولون إن نساء جرش يطرزن على أثوابهن أقواس "شارع الأعمدة"، وإن زغاريد العرائس كانت تعانق السماء من قلب الساحة البيضاوية.
وكان التجار يأتون من البتراء يحملون البخور، ومن فلسطين يحملون الزيت، ومن الشام يأتون بالحكايات.
وفي جرش، تلتقي كل الحكايات.
كل شيء في جرش له طعم...
الزعتر برائحة التاريخ،
المناسف بنكهة الكرم،
والماء الذي يسيل قرب المسرح الروماني، وكأن الزمان يغتسل فيه كل صباح.
في شوارعها، لا تمشي وحدك...
بل يرافقك ظل القوافل، وصوت الصفقات، ووقع خطوات الأطفال الذين كانوا يركضون بين الأعمدة، ويطلقون على كل عمود اسم بطل من حكاياتهم الشعبية.
هنا، تسير في التاريخ، لا على الإسفلت.
جرش ليست مجرد مدينة رومانية.
إنها المدينة التي غيّرت جلدها دون أن تُفرّط بروحها.
استقبلت الإمبراطور هادريان عام 130 ميلاديًا، فأكرمها بقوس لا يزال شاهدًا.
ثم فتحت قلبها للقائد شرحبيل بن حسنة، ليكتب فيها فصلًا جديدًا من الحضور العربي والإسلامي.
وفيها بُنيت المساجد إلى جوار المسارح، وارتفعت المآذن دون أن تسقط الأعمدة.
مدينة تلبس الفستان الجرشـي المطرّز في النهار، وتغني الأهازيج في الليل.
تحفظ ذاكرة الوطن، وتتزيّن كل صباح لأبنائه وزوّارها.
وهنا، لا تُعامل كغريب…
بل كـ"حارس لذاكرة أمة".
فكل زائر يترك فيها أثرًا، وكل حجر فيها يحفظ لك تحية.
جرش…
ليست مدينة تُزار… بل تُعاش.
وليست أثرًا من الماضي… بل نبضًا للحاضر، ووعدًا للمستقبل.
فإن كنت تبحث عن مدينة لا تنتمي لزمانك… بل لكل الأزمنة،
عن قصة تُروى لك لا على لسان دليل سياحي، بل على لسان الحجر والتراب والريح…
فدع قلبك يقودك إلى جرش.
ستصل إليها كزائر… وتغادر منها كجزء من الحكاية.