*
الاحد: 28 ديسمبر 2025
  • 31 أيار 2025
  • 01:46
في صمت العناية المركزة أرواح لا تحتمل التأخير
الكاتب: المحامية غيداء عبيدات

خبرني - لم أكن في زيارتي الأخيرة للمستشفى الحكومي محامية تتابع قضية، بل إنسانة وقفت وجهًا لوجه أمام مشهد إنساني لا يُنسى. مشهد يكشف عن وجع أكبر من الألم الجسدي… وجع وطن يودّع أبناءه في عمر الزهور، على أبواب غرف العناية المركزة.

في ذلك اليوم، لم تكن قاعات الطوارئ هادئة. كانت تضج بأصوات الإسعاف، وتغص بأهالٍ يلهجون بالدعاء. وفي كل سرير… شاب، ممدد، صامت، لكنه يصرخ فينا جميعًا: “لا زلت أريد الحياة”.

ما وراء الحوادث… شباب يغادرون قبل أوانهم

إن النسبة الأكبر من الحالات التي رأيتها كانت لشباب أصيبوا في حوادث مرورية قاتلة، ضحايا السرعة، أو التهور، أو الإهمال في البنية التحتية.
تساءلت حينها: كيف لعمرٍ في بداياته أن ينتهي عند إشارة مرورية؟ وكيف لنا أن نعتاد رؤية الورد يُسحق تحت عجلات الإهمال؟

الأطباء… جنود في ساحة معركة غير متكافئة

وسط الزحام، رأيت كادرًا طبيًا يعمل بصمت، بوجوه متعبة ولكنها ممتلئة بالعطاء. أطباء وممرضون كأنهم في سباق مع الموت، يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه، يمدّون أيديهم رغم قلة الإمكانيات.
كل حركة لديهم كانت تقول: “نحن هنا، لا نملك الكثير، لكن لن نخذل أحدًا.”

غرفة العناية… ووجع الانتظار

أكثر ما آلمني هو مشهد الانتظار أمام العناية المركزة (ICU)، حيث تزدحم الأرواح المعلقة بين الحياة والموت، بينما المقاعد فارغة… لأن لا مكان، ولا جهاز كافٍ.

في زيارتي، لفتني نقص حاد في أجهزة التصوير الطبقي للدماغ (CT Brain) التي تُعد ضرورة لا ترفًا، خصوصًا في حالات النزيف الدماغي الناتج عن الحوادث.
ذلك التأخير في التصوير يؤدي إلى بطء في التشخيص، وبالتالي بطء في العلاج… وهذا لا يعني فقط خطر المضاعفات، بل قد يعني أن يعود أحدهم إلى أهله محمولًا لا ماشيًا، أو لا يعود أبدًا.

وزارة الصحة… بين الأمل والمسؤولية

من هنا، أوجه نداءً من قلب المشهد:

إلى وزارة الصحة…
أنتم أصحاب القرار، وصوت الحياة في المشافي. بين أيديكم قدرة على التغيير، فلا تتركوا كادرنا الطبي يُقاتل دون عتاد، ولا تجعلوا ضحايا الحوادث يدفعون ثمن ضعف الإنتاجية أو تأخر التجهيز.

راقبوا… طوّروا… ادعموا من هم في الصفوف الأولى.
فإن لم نستثمر في غرف العناية وأجهزتها، سنضطر لاحقًا للاستثمار في المقابر.

ختامًا…

“الوعي لا يصنعه الألم وحده، بل تصنعه الإرادة حين تتحول المشاهدة إلى فعل.”

ليكن هدفنا واضحًا: حياة كريمة تليق بأبناء هذا الوطن، علاج سريع يحمي أحلامهم، واهتمام حقيقي لا يترك أحدًا وحيدًا في معركة البقاء.
الشباب هم ثروتنا الحقيقية، ومن فقدهم خسرت المجتمعات مستقبلها.
لذا، لا بد من المراقبة الدائمة والمستمرة للمستشفيات، لضمان جودة الخدمة، وتوفير الأجهزة الطبية اللازمة، وتسريع إجراءات التشخيص والعلاج.

المراقبة ليست مجرد رقابة، بل هي ضميرٌ حي يحفظ حقوق المرضى ويُحسّن أداء الكوادر الطبية.
فلنقف جميعًا مسؤولين، لا ننتظر الكارثة لنبحث عن الحل، بل نعمل اليوم من أجل غدٍ أفضل.

فالإنسانية تبدأ من توفير أبسط حقوق الحياة: الرعاية، العناية، والكرامة

مواضيع قد تعجبك