*
الاربعاء: 17 ديسمبر 2025
  • 24 أيار 2025
  • 18:13
رفقًا بالأردن فليس بالإمكان أفضل مما كان
الكاتب: فايز عضيبات

خبرني - في زحمة الأحداث، وتحت وطأة الألم الفلسطيني المستمر، كثيرًا ما تتوجه الأنظار نحو الأردن، ويتردد سؤال لا يخلو من القسوة: ماذا فعل الأردن من أجل فلسطين؟ وهو سؤال في ظاهره مشروع، لكنه في جوهره يتجاهل الحقائق ويتغافل عن حجم التضحيات والإمكانات، وكأن الأردن دولة عظمى في ميزانيته، أو غنية في مواردها، أو متحررة من أعبائها الداخلية.

لكن الحقيقة تقول إن الأردن، منذ نشأته، ارتبطت هويته السياسية والأخلاقية بالقضية الفلسطينية، واحتضنها على مستوى الدولة والشعب، دون تردد أو مساومة. فتاريخه، منذ وحدة الضفتين، مرورًا بمعركة الكرامة، ووصايته الهاشمية على القدس، وموقفه الثابت من إقامة الدولة الفلسطينية، لا يحتاج إلى تذكير، بقدر ما يحتاج إلى إنصاف.

هذا البلد الصغير في مساحته، الكبير بدوره، لم يتردد يومًا في أداء واجبه القومي تجاه فلسطين، رغم ما تعرض له من ضغوط داخلية وخارجية. بل إن الأردن، بشهادة الأصدقاء والخصوم، بقي الصوت العربي الأعلى والأصدق في الدفاع عن القدس وعن حقوق الفلسطينيين، في زمن صمتت فيه أصوات كبرى، وتوارى فيه الكثيرون خلف مصالحهم أو حساباتهم الضيقة.

في كل عدوان على غزة، كانت الطائرات الأردنية تنقل المصابين، والمستشفيات تفتح أبوابها، والعيون تذرف الدمع كما لو أن الجرح واحد. لم تكن مواقفه مجرد بيانات، بل كانت أفعالًا: إغاثة، إسعافًا، مواقف سياسية واضحة، ورفضًا لكل تسوية تمسّ الحقوق الفلسطينية.

ومع ذلك، يأتي من يُحمّله ما لا يحتمل، ويتغاضى عن أن الأردن نفسه يعيش تحديات اقتصادية صعبة، ومحدودية في موارده، وأعباءً لا تخفى، وعلى رأسها ملف اللاجئين، وانعكاسات الأزمات الإقليمية على أمنه واستقراره.

وحين يحتفل الأردنيون بعيد الاستقلال، يخرج من يلومهم على ذلك، وكأن حب الوطن ونصرة القضايا العادلة أمران متناقضان. الحقيقة أن الاحتفال بالاستقلال ليس ترفًا، ولا تجاهلًا للمعاناة الفلسطينية، بل هو تأكيد على أن الأردن لا يزال موجودًا، ثابتًا، صامدًا، محافظًا على قراره الوطني، ومستمرًا في دوره.

الاستقلال ليس مناسبة محلية فحسب، بل هو تجديد للعهد مع الذات: بأن هذا الوطن، رغم كل ما يواجهه، سيبقى على مواقفه، وسيواصل طريقه دون أن يساوم أو يفرّط. فاستقلال الأردن، بكل رمزيته، هو ما مكّنه من أن يقول "لا" عندما قال غيره "نعم"، وهو ما أبقاه طرفًا فاعلًا في ملفات القدس والأقصى واللاجئين.

في لحظة إقليمية مربكة، تختلط فيها المواقف وتُشترى الأصوات، بقي الأردن وفيًا لتاريخه، دون أن يتاجر بالقضية أو يستخدمها كورقة في حساباته. ولذلك، فإن الإنصاف يقتضي أن نقول: رفقًا بالأردن، فهو لا يملك أكثر مما يقدم، لكنه يقدّم أكثر مما يملك.

إن استمرار الأردن في هذا الموقف الثابت، رغم شُحّ الموارد وضغط الداخل وتعقيد الإقليم، ليس أمرًا بسيطًا أو عابرًا. بل هو موقف يستحق التقدير، والدعم، لا التثريب أو المقارنة الظالمة. فالدول تُقاس بصدق مواقفها لا فقط بحجم جيوشها أو ميزانياتها.

الأردن لم يطلب يومًا شكرًا، لكنه يرفض أن يُحمّل وحده عبء التقصير الجماعي. وهو حين يرفع رايته في عيد الاستقلال، إنما يعلن بوضوح: أن الوطن الذي لم يتخلّ عن فلسطين، لن يتخلى عن نفسه. وأن بقاءه قويًا وثابتًا هو الضمانة الأخيرة لصوتٍ عربيٍ لم يساوم.

فكل عام والأردن بخير، وطنًا لا يخون، وشعبًا لا ينسى، وقيادة تعرف موقعها في ضمير الأمة.

مواضيع قد تعجبك