*
الاربعاء: 10 ديسمبر 2025
  • 21 أيار 2025
  • 08:35
التعليم الجامعي وتحديات القيم قراءة نقدية في ضوء ما يجري في بعض الجامعات
الكاتب: الدكتور غسان العذاربة

شكلت حادثة الاعتداء اللفظي أو الجسدي – أيا كانت طبيعتها – التي طالت رئيس احدى الجامعات الوطنية، صدمةً للأوساط الأكاديمية والمجتمعية، لما تحمله من دلالات تتجاوز الشخص إلى رمزية الموقع الأكاديمي. وإننا إذ نرفض هذه الأفعال رفضًا قاطعًا وفقًا لما تمليه القيم الإنسانية والدينية والأخلاقية والأعراف  الاكاديمية والجامعية، فإنها تفتح الباب أمام ضرورة مراجعة الواقع الأكاديمي والتربوي في جامعاتنا، ومساءلة المنظومة التعليمية العليا عن مآلات السلوك الطلابي وانعكاساته.

أولًا: الجامعة بين العلم والتربية: الوظيفة المزدوجة الغائبة

إن للجامعة دورًا أساسيًا يتعدى نقل المعرفة إلى بناء شخصية الطالب معرفيًا وقيميًا. ومن المؤسف أن تغليب الجانب الكمي على النوعي، والانشغال بالمخرجات الورقية على حساب المخرجات السلوكية، قد ساهم في إضعاف تأثير الجامعة كحاضنة قيمية.

فأية مؤسسة أكاديمية، إذا قصّرت في أداء وظيفتها التربوية، فإنها تهيّئ بيئة خصبة لسلوكيات غير منضبطة، لا تعكس رسالة التعليم العالي. ومن هنا فإن الحاجة باتت ملحة لاستعادة الجامعات لدورها التربوي، جنبًا إلى جنب مع دورها التعليمي .

ثانيًا: المسؤولية التشاركية: الكل معني بالإصلاح

لا يمكن تحميل طرف واحد تبعات أي خلل في البيئة الجامعية. فالمسؤولية متكاملة:

الإدارات الجامعية مطالبة بترسيخ منظومة انضباطية عادلة وواضحة.

أعضاء الهيئة التدريسية تقع عليهم مسؤولية التوجيه واحتواء الطلبة وإدارة المواقف تربويًا.

الطلبة أنفسهم مسؤولون عن احترام المؤسسة التعليمية ومن فيها.

المجتمع والأسرة لهما دور أصيل في بناء الوعي العام بأهمية احترام المؤسسات الأكاديمية.

 

 

ثالثًا: الرأي العام الجامعي: ضرورة غائبة

إن الرأي العام داخل الجامعة، بما يحمله من ضغط أخلاقي إيجابي، يعد عاملًا حاسمًا في كبح الممارسات الخارجة عن السياق الأكاديمي. ففي بيئة تحترم السلوك الحسن وتنبذ الخروج عن الذوق العام، سيكون من الصعب على الفرد أن يتصرف بشكلٍ مرفوض دون أن يواجه استهجانًا من محيطه.

غياب هذا الرأي العام القيمي في بعض مؤسساتنا هو انعكاس لضعف التكوين التربوي للطلبة، وهو ما يستوجب معالجته بتدابير تربوية، لا فقط عقابية.

رابعًا: النوعية قبل الكمية: أزمة أولويات في التعليم العالي

في ظل تضاعف عدد الجامعات، وفتح تخصصات دون حاجة حقيقية، باتت بعض الجامعات – وليس جميعها – تركز على التوسع العددي دون التحقق من جودة المخرجات، مما أثّر على نوعية الكفاءات التي يُفترض أن تُعدها الجامعة لسوق العمل والمجتمع.

ليس المطلوب التراجع عن التوسع في التعليم العالي، بل ضبط هذا التوسع بمعايير واضحة للجودة والمحتوى الأكاديمي والتربوي، مع تقييم دوري للمخرجات على المستويين العلمي والسلوكي.

خامسًا: توصيات في سبيل الإصلاح:

1. إعادة النظر في فلسفة التعليم العالي، لتشمل محاور التكوين الأخلاقي والتربوي.

2. وضع مدونات سلوك طلابية تُبنى على أسس تربوية لا قمعية.

3. تعزيز ثقافة الحوار داخل الحرم الجامعي بين الطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية.

4. دعم المبادرات الطلابية ذات الطابع القيمي والتوعوي.

5. تدريب الكوادر الأكاديمية على مهارات التوجيه التربوي والإدارة الصفية.

إن ما حدث وما ويحدث في الجامعات الوطنية لا يجب أن يُقرأ باعتباره حدثًا فرديًا، بل مؤشرًا دالًا على تحديات حقيقية يمر بها قطاع التعليم العالي. وإذا أردنا معالجة هذه التحديات، فإننا بحاجة إلى مراجعة شاملة للمفاهيم والممارسات داخل الجامعات، بما يحقق التوازن بين التعليم والمعرفة من جهة، والتربية والقيم من جهة أخرى.

 

ومن منطلق إيماني بحرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور الأردني، فإنني أطرح هذا المقال كمساهمة فكرية ونقدية تهدف إلى تحسين واقع التعليم الجامعي، وتعزيز مكانة الأستاذ الجامعي بما يتناسب مع دوره في بناء الوطن والمستقبل.

 

مواضيع قد تعجبك