*
الاثنين: 15 ديسمبر 2025
  • 11 أيار 2025
  • 19:21
الأردن دولة بحجم الفكرة  كيف حافظ على دوره كصمام أمان عربي محوري
الكاتب: د. رأفت غالب البيايضة

حين تُذكر مفردة "الاحتواء"، يتبادر إلى الذهن الأردن. لا لأنه كان مكانًا للخلاص فقط، بل لأنه الدولة التي تكفلت، وعلى مدار عقود، بأن تكون مركز التهدئة، ومأوى المنكوبين، ومساحة لاحتضان الأزمات العربية قبل أن تتفاقم وتُفقد السيطرة عليها.
الأردن، تلك البقعة الصغيرة بحجم الجغرافيا، الكبيرة بحجم الأخلاق والمسؤولية، عمل بصمت، يلملم شظايا المنطقة، ويسند ظهر الأمة حين تخذلها تحالفات المصالح.
من اللجوء الفلسطيني إلى العراقي، ومن الهجرة السورية إلى الأزمات اليمنية واللبنانية، لم يُغلق الأردن بابه قط. بل استقبل، وأكرم، وشرّع قوانينه ليمنح الحقوق، حتى أصبح "الغريب" فيه صاحب حق، لا يبيت بلا دواء، ولا يُمنع من العمل أو الدراسة.
ولكن ما على الأردن – وما يدفع ثمنه اليوم – أنه تحوّل إلى "جزيرة السلام" في بحر الفوضى العربية. فكل من فقد مأمنه، نظر إلى الأردن كقلعة أمان يحلم بالوصول إليها، لا ليقيم فقط، بل ليحيا فيها بكرامة قلّ نظيرها.
الأردن تحمّل استحقاقات باهظة داخليًا، وسكت عنها كثيرًا من باب الحِلْم، فتآكلت موارده، وتضاعف الضغط على بناه التحتية، وخُنق اقتصاده، ومع ذلك لم ينكسر.
لكن، وكما هو الحال مع كل من يتفوق في الأخلاق، بدأت موجات التشويه، وصوت الناغمين، والكارهين، أولئك الذين لا يطيقون أن يروا واحة في صحراء مشتعلة. فحاولوا النَّيل من صورته، وتشويه أمنه، وزعزعة صفه الداخلي، لكنهم فشلوا.
فشلوا لأن الأردن ليس فقط دولة، بل هو فكرة متجذرة في الضمير العربي، فكرة الاستقرار المحروس بإرادة شعبية، وقيادة حكيمة وضعت أمن الإنسان وكرامته أولًا. هو ذاك الوطن الذي يُشبه الصخر في صلابته، والندى في رقّته مع من قصده يومًا مضطرًا.
الأردن ليس ساحةً للمتسلقين ولا مسرحًا للإثارة الإعلامية، بل درعٌ للمنطقة كلها. من لا يفهم تضاريسه، لا يحق له أن يحكم على أدائه، ومن لم يقرأ تاريخه، لا يملك أهلية تقييم مستقبله.
نعم، هذه هي الأردن لمن لا يفهمها:
وطن صغير بحجمه، عظيم بحكمته، صلب بوحدته، كريم في عطائه، وهو الذي يُطعم أهله ويؤوي غيرهم، ويقاوم التهديدات بالأخلاق والسيادة والقوه لا بالشعارات.
فدعوا الأردن يصوغ مستقبله كما صاغ استقراره، واتركوا واحة السلام تُزهر، فلعلها تبعث الحياة في جسد الأمة المنهك.

مواضيع قد تعجبك