*
الخميس: 15 أيار 2025
  • 08 أيار 2025
  • 16:39
الثقافة كرافعة لتعزيز الهوية الوطنية
الكاتب: الدكتور زيد احمد المحيسن

في ظل التحديات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، تتعاظم الحاجة إلى تعزيز الهوية الوطنية بوصفها الركيزة الأساسية لوحدة المجتمع وتماسكه. وإن أحد أبرز الأدوات التي يمكن من خلالها تحقيق هذا الهدف هي الثقافة، التي تعد مرآة تعكس روح الأمة وتاريخها وقيمها.


الثقافة ليست ترفًا فكريًا أو نشاطًا هامشيًا، بل هي جوهر وجود المجتمعات، والمعبّر الحقيقي عن ذاكرتها الجمعية. فهي تشمل اللغة، والعادات، والتقاليد، والفنون، والآداب، وكل ما يصوغ شخصية الإنسان ويمنحه انتماءه إلى وطنه. وعندما تُوظّف الثقافة بشكل مدروس، تصبح أداة استراتيجية تسهم في غرس الانتماء الوطني في نفوس الأفراد، خصوصًا في ظل التأثيرات الثقافية العولمية التي تسعى – أحيانًا – إلى تمييع الهويات وتشويه الخصوصيات.


إن تعزيز الهوية الوطنية عبر الثقافة يتطلب مؤسسات ثقافية فاعلة قادرة على صناعة محتوى ثقافي يعكس الخصوصية الوطنية، ويُروَّج له في المناهج الدراسية، والمنابر الإعلامية، والأنشطة الفنية، والفعاليات المجتمعية. كما يتطلب الأمر إحياء التراث وربطه بالواقع المعاصر بطريقة جذابة تُقرّب الشباب من ماضيهم، دون الوقوع في فخ الجمود أو التقديس غير الواعي.


من جهة أخرى، فإن الفعل الثقافي لا يكتمل دون حرية التعبير وتشجيع الإبداع. إذ لا يمكن بناء هوية وطنية صلبة في بيئة تُقصى فيها الآراء وتُقمع فيها التجارب الثقافية الحرة. فالتعددية الثقافية داخل الوطن، إذا ما أُديرت بحكمة، تعزز التنوع وتثري الهوية بدلاً من تهديدها.


وعليه، فإن الاستثمار في الثقافة يجب أن يكون أولوية وطنية، لا بوصفه واجبًا حكوميًا فقط، بل كمشروع تشاركي تتكامل فيه جهود الدولة والمجتمع المدني والمؤسسات التعليمية. وبهذا، نكون قد وضعنا الثقافة في مكانها الطبيعي، كرافعة للنهوض الوطني، ووسيلة لبناء مجتمع يعرف تاريخه، ويفخر بتراثه، وينفتح بثقة على العالم.

مواضيع قد تعجبك