مع سقوط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، وتولي فصيل معارض زمام الحكم، انسحبت القوات والشركات الإيرانية، وتُركت المشاريع معلقة، والديون دون تسديد.

نهب مواطنون السفارة الإيرانية، وعُثر على وثائق تذكر ديوناً مستحقة بقيمة 178 مليون دولار على الحكومة السورية لشركات إيرانية.

رغم تصريحات الناطق باسم الخارجية الإيرانية بضرورة احترام الحكومة الجديدة للاتفاقيات، فإن تلك الحكومة لم تُبدِ أي التزام، فيما عاد مستثمرون إيرانيون إلى بلادهم بخسائر كبيرة.

هنا، يشير أبو سليمان إلى أن افتقار إيران لضمانات سيادية أو دولية جعل من هذه الاستثمارات عبئاً مالياً بلا عائد، معتبراً أن ما حصل يؤكد أن "النفوذ لا يشترى بالديون، ولا تدار المشاريع بنسخ غير مدروسة".

أما خطط إدارة ميناء اللاذقية من قبل إيران، فقد استُبدلت لاحقاً بتجديد عقد لشركة فرنسية.

في الاجتماعات الداخلية التي عقدها فريق أكبري، تظهر توصيات بفهم "المافيات الاقتصادية" في سوريا وتحديد "المصالح المحلية" من أجل تسهيل التنفيذ، مما يعكس إدراكاً معقداً للواقع السوري.

ومع أن إيران واصلت توقيع اتفاقيات جديدة في 2023 و2024، من بينها إنشاء بنك مشترك وإلغاء الرسوم الجمركية وتسهيل المعاملات بالعملات المحلية، فإن تغير موازين القوى في المنطقة – بفعل العمليات العسكرية الإسرائيلية والانسحاب الإيراني – أنهى فعلياً هذا المسار.

من بين المتضررين، التاجر الإيراني حسن شاخصي، الذي خسر 16 مليون يورو في قطع غيار سيارات شحنها إلى ميناء اللاذقية قبل فرار الأسد. قال شاخصي للوكالة: "كنت قد أسست مكتباً ومنزلاً في سوريا، لكن كل ذلك اختفى".

وأضاف: "لم أتلقَ ثمن البضاعة التي اختفت. آمل ألا يُمحى تاريخ إيران الطويل مع سوريا بهذه السهولة. الآن، مضطر للنظر في أماكن أخرى للأعمال".

 

هل ينجح استيراد السياسات؟

في نهاية المطاف، انتهت آمال إيران في محاكاة خطة مارشال وبناء إمبراطورية اقتصادية تشمل سوريا إلى مصير أقرب إلى إخفاقات الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.

فقد أدّى تدخل طهران المبكر في الحرب الأهلية السورية إلى تعميق نفوذها في هذا المعبر الحيوي إلى البحر المتوسط، إلا أن قصة الاستثمارات المهدورة تكشف عن حجم المخاطر المالية التي جلبها هذا المسار، وكيف أضرّ الاعتماد المتبادل بين حكومتين "منبوذتين" دولياً – في دمشق وطهران – بكليهما.

ما حاولت إيران تحقيقه في سوريا، عبر نموذج مستوحى من خطة مارشال الأمريكية، انتهى إلى مصير مغاير.

بينما نجحت واشنطن في بناء تحالفات مستقرة في أوروبا من خلال تلك الخطة، فإن التجربة الإيرانية في سوريا لم تخرج بنتائج اقتصادية ملموسة، وواجهت بيئة سياسية وأمنية غير مستقرة، وتضارب مصالح محلي ودولي.

وبحسب تحليل أبو سليمان:"خطة مارشال نجحت لأنها صُمّمت لتناسب السياق الأوروبي آنذاك، من حيث البيئة السياسية والمجتمعية والاقتصادية، في حين أن إيران حاولت تطبيق قالب اقتصادي غير قابل للحياة في أرض غير مهيأة، مشيراً إلى أن إعادة إنتاج النماذج السياسية أو الاقتصادية دون إدراك خصوصية السياق المحلي، غالباً ما يؤدي إلى الفشل".