*
الثلاثاء: 23 ديسمبر 2025
  • 01 أيار 2025
  • 11:15
النشامى عين على حزيران
الكاتب: عماد صبري الطراونة

في زوايا الذاكرة، حيث تخبئ الأرض أسرارها، وحيث تهمس الرياح بلغة الآباء الأولين، يُطل حزيران كحارس للعهود. ليس حزيران شهراً عابراً هنا، بل هو موعد الحكايات التي تنتظر أن تروى، وموعد الدماء التي تعلن إنتماءها للوطن قبل الجسد. ها هم نشامى المنتخب الأردني، يحملون على أكتافهم أكثر من كرة تتدحرج في الميادين؛ إنهم يحملون حنين التلال التي شهدت مولدهم، وصرخة الأجداد الذين زرعوا القمح في أرض لا تعرف إلا العطاء. 
 
   أيها النشامى، أيها المنسوجون من قيم الصحراء وندى الجبال، ها قد اقترب شهر حزيران كضيف ثقيل الخطى. مباراتان، لن تكونا مجرد رقمين في تقويم، بل محطتان تُختزل فيهما سنون التضحيات. العراق وعُمان.. إسمان يكتبان تاريخاً جديداً على جبين الأردن. نحن لا ننتظر تسجيل أهداف فحسب، بل ننتظر أن تخُط أقدامكم كلمات النشيد الوطني على أرض الملاعب، كأنها أول مرة تسمع فيها "عاش المليك... عاش المليك".  

   اعلموا أنكم لستم لاعبي كرة قدم فحسب، بل أنتم حُراس حُلم قديم. حُلم هتفت أجيال لأجله عند سفوح جبال مؤاب، وحلم نام في حضن سهول حوران، وارتدى ثوباً من فسيفساء مادبا، كل ذرة في تراب هذا الوطن تتطلع اليكم، وكل غصن زيتون يرفع أوراقه كأنها أيّار تُصلي، وكل عشبة شيح، قيصوم أو زعتر تهمس باسمكم قبل أن يلفها الندى.  

   هذه المباريات ليست مسابقة رياضية، بل هي استحقاق وجودي. حين تدخلون الملعب، ادخلوه كمن يدخل معركة لتخليد إسم الوطن. لا تخافوا من ثقل التوقعات، فالشعب الذي يعرف معنى "التضحية" لا يطلب المستحيل، بل يطلب أن تلقوا أرواحكم في الملعب كما تلقى النخلة ثمارها دون حساب. ونعلم أن في عروقكم يجري دم ورثتموه من أبناء العمونيين والأنباط، دم يعرف أن النصر ليس مجرد نتيجة، بل هو كرامة تكتسب.  

   لن أدعو لكم بالتوفيق فحسب، بل أدعو ان تكونوا "اهلا" للتوفيق. أدعو أن تسمعوا في أصوات الجمهور هتاف الأردن القديم، وأن تروا في مرمى الخصم بوابة العالم التي تنتظر دخول اولئك الذين رفضوا أن يكونوا نسخا، بل أرادوا أن يكونوا أصلا. أدعو أن يكتب الله لكم النصر، ليس لأنكم الأفضل دائما، بل لأنكم الأجدر بحمل راية وطن اختار أن يكون كبيرا رغم صغر مساحته.  

   وإن سئلت -يا حزيران- لماذا يعلق الاردنيون آمالهم عليك؟ فقل: لأن هذا الشعب يعرف أن المعجزات تولد من رحم الإرادة. ولأن أبناء البلد القليل بالموارد، الكثير بالإصرار، إعتادوا أن يحولوا الحجارة زهراً، والعرق مجداً، أنتم يا نشامى الوطن لستم أبطال الشعب فقط، بل أنتم الشعب نفسه.. بكل ما فيه من عزم، وأمل، وجلال، حماكم الله ورعاكم بعينه التي لا تنام.

مواضيع قد تعجبك