*
الاحد: 14 ديسمبر 2025
  • 24 نيسان 2025
  • 07:27
مأزق التأقلم الإسلاميون واليساريون في مواجهة اللحظة الأردنية
الكاتب: محمد صبيح الزواهرة

 

محمد صبيح الزواهرة

إذا كان حزب جبهة العمل الإسلامي لا يزال يُعوِّل على نهج “سَكِّنْ تسلَمْ” كمخرجٍ تكتيكي من ظرفٍ وطني بالغ الحساسية، فإنه يرتكب خطأً استراتيجيًا فادحًا في تقدير المآلات المحتملة. فما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين لم يكن إجراءً معزولًا، بل يُشكّل بداية مسار لا يقتصر على التنظيم ذاته، بل يشمل كل من لا يزال يرتبط به تنظيميًا أو رمزيًا، ما لم يُبادر إلى انفكاكٍ واضحٍ وصريح، لا يحتمل التأويل أو التردد.

الدولة الأردنية، في هذا السياق، لا تُبادر إلى استهداف الحزب بدافع الخصومة، بل تُقدّم له ما يمكن وصفه بفرصة سياسية أخيرة لإعادة تعريف ذاته في سياقٍ وطني خالص. وهذه الفرصة لا تكتمل إلا بتفكيك العلاقة الإشكالية مع التنظيم الدولي للإخوان، وتحديدًا مع حركة “حماس”، بما يسمح بخلق تموضع سياسي جديد للحزب، منسجم مع الخصوصية الأردنية ومحددات الأمن القومي.

لكن المعضلة ليست حكرًا على الإسلاميين، بل تتعداهم إلى الأحزاب القومية واليسارية التي ما تزال أسيرة سردياتٍ عقائديةٍ تجاوزها الزمن. تلك الأحزاب التي توقفت عند لحظةٍ تاريخيةٍ فقدت صلاحيتها، وتُصرّ على اجترار مقولاتٍ أصبحت بلا جدوى، لا في المجال السياسي، ولا حتى الثقافي، ما يعكس انسدادًا فكريًا عميقًا نتج عن رفضها التكيّف مع التحولات البنيوية التي طرأت على البيئة السياسية منذ عقود.

في هذا الإطار، تفرض المرحلة الراهنة ضرورةً مفصليةً للانتقال من الأحزاب المؤدلجة إلى الأحزاب البرامجية، التي تنطلق من الواقع وتُعنى بطرح حلولٍ قابلة للتطبيق، تستجيب لمتطلبات المواطن وتحديات الدولة. وهذا ما تؤكده نظرية البرمجة السياسية الواقعية (The Theory of Programmatic Political Realism)، التي تعتبر أن الأيديولوجيا – بطابعها الكوني والعابر للحدود – تُعطّل إمكانات التوافق الوطني، وتُضعف قدرة الدولة على إنتاج مشروع وطني جامع، في حين تُشكّل الأحزاب البرامجية أداةً لإعادة بناء الثقة بين المجتمع والدولة على أسسٍ عمليةٍ لا شعاراتية.

إن الإشكال البنيوي في التيارات المؤدلجة يكمن في انغلاقها الزمني؛ فهي لا تُواكب العصر، بل تحاول جره إلى سياقات نشأتها الأولى، وتتجاهل أن الدول الحديثة تُبنى على القدرة على التكيّف، لا على التمسك بالمطلقات. ولهذا، فإن كل محاولات “أَردنة” هذه الأيديولوجيات محكومة بالفشل، لأنها لا تعترف أصلًا بالهوية الوطنية كمصدرٍ للشرعية السياسية، بل تظلّ مشدودة إلى مرجعياتٍ أممية أو قوميةٍ تتجاوز الحدود والسيادة.

وما يزيد من تعقيد المشهد، أن الخطاب الرسمي لا يزال، أحيانًا، يتعامل مع تلك القوى المؤدلجة بوصفها مكوناتٍ دائمة للمشهد السياسي، رغم أن تجارب العقود الماضية أثبتت أنها تتقن فنون التأقلم المؤقت، لا القبول الحقيقي بقواعد اللعبة الوطنية، وأنها تحتفظ بسردياتٍ مؤجَّلة، تنتظر اللحظة المناسبة لإعادة تفعيلها.

وفي ظل عالمٍ يتّجه بسرعة نحو الأدوات البراغماتية في الحكم، بفعل العولمة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، فإن الدولة الأردنية مُطالبة بتعزيز الحضور البرامجي في الحياة الحزبية، وتخليق مسارٍ جديد يُخرج السياسة من عباءة المؤدلجين إلى أحزاب برامجية وحركات اجتماعية سياسية ويُعيد ربطها بالهمّ اليومي للمواطن الأردني. فزمن الشعارات قد انتهى، وما تبقّى هو ما يمكن قياسه وتحقيقه على الأرض.

مواضيع قد تعجبك