في التاسع من نيسان تتقاطع الذكرى مع جرحين عميقين في الذاكرة العربية والعالمية يمثلان لحظتين مفصليتين غيرتا وجه المنطقة إلى الأبد. الأول هو سقوط بغداد عام 2003، والثاني مجزرة دير ياسين عام 1948. وبين التاريخين تتجلى ملامح التحولات الجذرية التي شهدها الشرق الأوسط وتتكشف آثار التدخلات والصراعات التي رسمت واقعه المعاصر.
في مثل هذا اليوم من عام 2003، دخلت القوات الأمريكية العاصمة العراقية بغداد معلنة نهاية حكم الرئيس صدام حسين وبداية مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، العملية التي انطلقت تحت شعار "نزع أسلحة الدمار الشامل" تحولت سريعا إلى احتلال أفضى إلى انهيار الدولة العراقية ومؤسساتها وفتح الباب أمام صراعات طائفية وموجات عنف غير مسبوقة.
لم يكن الغزو مجرد تغيير في النظام السياسي، بل كان بداية لانهيار منظومة كاملة من التوازنات الداخلية والإقليمية. تحول العراق إلى ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية فيما تزايدت حدة التطرف الديني والعنف الطائفي، وعلى مدى أكثر من عقدين،لا يزال العراق يحاول النهوض من تحت ركام الحرب والفوضى.
وفي التاريخ ذاته من عام 1948، ارتكبت العصابات الصهيونية مجزرة دير ياسين، إحدى أبشع الجرائم التي شهدتها الأراضي الفلسطينية. استهدفت القرية الواقعة غرب القدس وقتل فيها المئات من المدنيين العزل، في عملية كان الهدف منها بث الرعب بين السكان الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة القسرية.
مجزرة دير ياسين لم تكن حدثا معزولا، بل جاءت في سياق خطة ممنهجة لتهجير الفلسطينيين وتفريغ الأرض قبل إعلان قيام دولة إسرائيل. تركت المجزرة أثرا نفسيا واجتماعيا عميقا على الشعب الفلسطيني، وساهمت في إشعال شرارة النكبة التي أدت إلى اقتلاع أكثر من 750 ألف فلسطيني من أراضيهم.
يُشكل استحضار هذين الحدثين اليوم دعوة للتأمل في ما آلت إليه أوضاع المنطقة، وفي كلفة الصراعات والحلول العسكرية التي أثبتت فشلها الذريع في تحقيق الاستقرار أو العدالة، ففي العراق لم يكن إسقاط النظام نهاية لمأساة، بل بداية لفصول متتالية من المعاناة. وفي فلسطين لا تزال دير ياسين ومعها عشرات القرى المهجرة، شاهدا حيا على جرح لم يلتئم بعد.
إن الذكرى ليست مجرد وقفة عابرة أمام الماضي، بل هي مسؤولية أخلاقية وسياسية تجاه الحاضر والمستقبل. فالسلام واحترام سيادة الشعوب واللجوء إلى الحوار بدلا من العنف هي الدروس الأهم التي تقدمها لنا هذه المحطات الدامية من التاريخ.
في ذكرى سقوط بغداد ومجزرة دير ياسين يظل السؤال مطروحا إلى متى سيبقى التاريخ يعيد نفسه في هذه المنطقة المنكوبة؟ لعل في تذكر هذه المآسي ما يعين العالم على تفادي تكرارها، وتحقيق السلام العادل الذي تنشده شعوب الشرق الأوسط منذ عقود. فالتاريخ لا يُمحى والحقوق لا تسقط بالتقادم والذاكرة الجماعية تظل حية ما دام هناك من يروي الحقيقة.




