*
السبت: 15 آذار 2025
  • 09 آذار 2025
  • 13:31
مستقبل القطاع العقاري الأردني بمكوناته الأساسية
الكاتب: الدكتور غسان عذاربة

يُعتبر القطاع العقاري أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الأردني، حيث يسهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر فرص عمل متعددة، ويعزز من التنمية الحضرية والاستثمارية. مع تطور هذا القطاع بشكل متسارع، يصبح من الضروري النظر إلى مكوناته الرئيسية وهي التقييم العقاري، الوساطة العقارية، وأعمال المساحة، باعتبارها عناصر تكاملية تساهم في تعزيز الاستقرار والشفافية في السوق العقاري. هذه المكونات ليست فقط عناصر مستقلة، بل تشكل منظومة مترابطة يجب أن تتعاون لضمان استدامة القطاع العقاري وتوجيه القرارات الاستثمارية بشكل أكثر دقة، مما يعزز من البيئة الاستثمارية ويجعلها أكثر أمانًا وكفاءة.

وفي هذا السياق، تُعد الشراكات الاستراتيجية بين هذه المكونات ضرورة ملحة لضمان نمو مستدام للقطاع العقاري في الأردن. فعلى سبيل المثال، التقييم العقاري يساهم في تحديد القيمة الحقيقية للعقارات، مما يمكن المستثمرين من اتخاذ قرارات مدروسة. أما الوساطة العقارية، فهي تعمل على ربط العروض بالطلبات وتسهيل الصفقات العقارية بما يضمن مصداقية وشفافية السوق. كما أن أعمال المساحة تمثل عنصرًا أساسيًا في تحديد الحدود القانونية للممتلكات العقارية، مما يضمن تحديد ملكية العقارات بشكل دقيق.

وتُعد دائرة الأراضي والمساحة في الأردن أحد الشركاء الاستراتيجيين الرئيسيين في هذه الشراكة، حيث تلعب دورًا محوريًا في تنظيم وتوثيق كافة التعاملات العقارية، مما يجعلها ركنًا: أساسيًا في تعزيز الشفافية و تنظيم   السوق العقاري. من خلال الاعتماد على معايير دقيقة في التقييم والمساحة، والتنسيق مع الوساطة العقارية، يمكن لدائرة الأراضي أن تساهم في بناء بيئة عقارية منظمة، وتوفير منصة موحدة للتعامل مع جميع الأطراف المعنية على المستوى الوطني وهوما بدأت به دائرة الاراضي والمساحة من ايجاد نظام تنظيم  عصري ومدروس لمهنة التقدير العقاري وأصحاب المكاتب  والوساطة العقارية واصحاب مكاتب المساحة .

وبالتالي، تتكامل دائرة الأراضي والمساحة مع مكونات التقييم العقاري، الوساطة، وأعمال المساحة لتشكيل شراكة استراتيجية تساهم في توجيه السوق العقاري نحو نمو مستدام يتماشى مع التوجهات الوطنية ويواكب التطورات العالمية في القطاع العقاري، مما يسهم في تحفيز الاستثمارات ويزيد من فرص النمو الاقتصادي في الأردن.وهو من نطمح اليه على المستوى الوطني للحاق بالتنافسية العالمية في هذا المجال . وهو ما يتوافق مع الرؤى الملكية السامية والتوجهات الحكومية لأردن رقمي .

إن الشراكات الاستراتيجية بين هذه المكونات تُعد ضرورة ملحة لضمان نمو القطاع بشكل مستدام، في عصر الثورة الرقمية المتسارعة ,وتحقيق بيئة استثمارية أكثر أمانًا وكفاءة، تتماشى مع التوجهات الوطنية والتطورات العالمية في سوق العقارات.

وبهذا الخصوص  يعد التقييم العقاري  ركيزة  أساسية لاتخاذ القرارات الاستثمارية السليمة وهنا لابد من التطرق الى بعض الامور والتي من  أهمها : 

اولا : - أثر التقييم العقاري في الاقتصاد الوطني

يعد التقييم العقاري أحد أهم الأدوات التي تحدد القيمة الحقيقية للعقارات، وهو الأساس في عمليات البيع والشراء، التمويل العقاري، والاستثمارات العقارية. ولا يقتصر دوره على تحديد الأسعار، بل يمتد إلى كونه عنصرًا أساسيًا في استقرار السوق العقاري وتحقيق الشفافية والعدالة الاقتصادية.

ويخدم التقييم العديد من الجهات، منها:

1- المستثمرون والمطورون العقاريون، حيث يمكنهم بناء قراراتهم على أسس علمية دقيقة بعيدًا عن المضاربات العشوائية التي قد تؤدي إلى تضخم الأسعار أو ركود السوق العقاري .

2- البنوك وشركات التمويل، إذ تعتمد على التقييم العقاري لتحديد حجم القروض العقارية وضمانات الائتمان، مما ينعكس على استقرار القطاع المالي وتقليل المخاطر الائتمانية.

3- الحكومة والمؤسسات العامة، في عمليات الاستملاك،  والتحكيم والتعويض وتحقيق العدالة الضريبية من خلال تقديرات القيمة الحقيقية للعقارات، مما يساعد في توزيع الضرائب بعدالة وتحقيق الإيرادات الحكومية بكفاءة.

وتُعد دائرة الأراضي والمساحة في الأردن الجهة الرسمية المسؤولة عن تسجيل العقارات وتقدير قيمتها من خلال القيمة الإدارية التي تعتمد عليها الحكومة في تحصيل الضرائب والرسوم العقارية. ومع ذلك، فإن دقة هذه القيم تلعب دورًا جوهريًا في تحقيق العدالة الضريبية وضمان عدم التقدير الزائد أو الناقص للعقارات، حيث يجب أن تكون هذه القيم منسجمة مع الأسعار السوقية الحقيقية لضمان بيئة استثمارية عادلة ومنافسة.

إن عملية التقييم العقاري الدقيقة والمبنية على أسس مهنية تعزز من كفاءة السوق العقاري، وتساهم في تحفيز الاستثمار، استقرار الاقتصاد، وتنظيم عمليات البيع والشراء، مما يجعلها إحدى الركائز الأساسية في النمو الاقتصادي الوطني. لذلك، فإن تطوير معايير التقييم، واعتماد نظم تقييم إلكترونية حديثة، وتعزيز التكامل بين القطاعين العام والخاص في مجال التقييم، من شأنه أن يسهم في رفع كفاءة السوق العقاري وتحقيق التنمية المستدامة.ولابد من الحديث هنا عن بعض الامور والتي من اهمها :

1-- التحديات التي تواجه قطاع التقييم العقاري

على الرغم من دوره المهم، إلا أن قطاع التقييم العقاري في الأردن يواجه تحديات، مثل:
غياب قاعدة بيانات مركزية موحدة، مما يجعل عملية التقييم تخضع لاجتهادات فردية, ومن ثم الحاجة إلى تنظيم أقوى للمهنة، من خلال تعزيز المعايير والشفافية في عمليات التقييم.إضافة الى تأثير المضاربات غير المنظمة، والتي تؤدي أحيانًا إلى تضخم أسعار العقارات بشكل غير واقعي. وبهذا الخصوص ونظرا لاهمية عملية التقييم العقاري واثرها على الاقتصاد الوطني سوف أفرد مقالة خاصة حول هذا  الامر في قادم الايام بعون الله . نظرا لاهمية ذلك .

2- التوجهات الاستراتيجية لتطوير التقييم العقاري

لضمان فاعلية التقييم العقاري، يجب إنشاء منصة رقمية وطنية سيادية تتيح الوصول إلى بيانات دقيقة حول أسعار العقارات., وتعزيز دور المُقدّرين العقاريين عبر التدريب المستمر واعتماد معايير عالمية مثل المعايير الدولية للتقييم  (IVS) والالتزام بها من خلال ايجاد منهجيات عمل مدروسة بشكل دقيق يتوائم مع المعطيات العقارية الوطنية  . وكذلك تشجيع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة لتقديم تقييمات أكثر دقة وشفافية.

ثانيا : - الوساطة العقارية  محور ديناميكية السوق العقاري

تكمن أهمية الوساطة العقارية في تنشيط السوق كما وتعد الوساطة العقارية حلقة الوصل بين البائعين والمشترين، وتلعب دورًا حيويًا في تحقيق التوازن بين العرض والطلب، من خلال توفير المعلومات اللازمة عن السوق وتوجيه الاستثمارات بشكل صحيح. إن تحسين كفاءة السوق من خلال الوسيط العقاري المتمرس يمكنه من  تقديم المشورة المناسبة للطرفين وضمان شفافية الصفقات. وبهذا نكزن قد عملنا على تعزيز الاستثمارات من خلال وجود وسطاء محترفين، يتم جذب مستثمرين جدد للسوق العقاري.
وذلك من خلال وايجاد تحقيق الحماية القانونيةعبر العقود المنظمة التي تضمن حقوق جميع الأطراف. وهنا ايضا لابد من التطرق الى بعض الامور الهامة حول ذلك منها :

التحديات التي تواجه الوساطة العقارية على المستوى الوطني

تواجه الوساطة العقارية في العديد من الدول، بما في ذلك الأردن، تحديات عدة تؤثر على كفاءة السوق وشفافيته. ومن أبرز هذه التحديات:

1- ضعف التنظيم القانوني للوساطة العقارية

لا تزال القوانين المنظمة للوساطة العقارية غير كافية في بعض الدول، حيث تفتقر إلى إطار قانوني واضح ينظم ممارسات الوسطاء العقاريين، ويحدد حقوقهم وواجباتهم. ويؤدي ذلك إلى:

- عدم وجود معايير واضحة لاعتماد الوسطاء العقاريين، مما يسمح بدخول أفراد غير مؤهلين إلى المجال.

- صعوبة تطبيق العقوبات على المخالفات، مثل التلاعب في الأسعار أو إخفاء المعلومات عن المشترين أو البائعين.

- غياب جهة رقابية فاعلة تتابع أداء الوسطاء وتضمن التزامهم بأفضل الممارسات المهنية.

2- نقص قاعدة بيانات متكاملة للسوق العقاري

تعتمد الأسواق العقارية الحديثة على البيانات الدقيقة لمساعدة الوسطاء والمستثمرين في اتخاذ قرارات مستنيرة، لكن في العديد من الدول، لا توجد قاعدة بيانات موحدة تشمل جميع المعاملات العقارية، مما يؤدي إلى:

- تضارب المعلومات بين الجهات المختلفة، مثل السجلات الحكومية والمكاتب العقارية.

- صعوبة تقييم العقارات بشكل دقيق، مما يفتح المجال للمضاربات والتلاعب بالأسعار.

- ضعف قدرة الوسطاء على تقديم معلومات موثوقة حول العرض والطلب واتجاهات السوق.

3- عدم الاعتماد على التكنولوجيا بشكل كافٍ

على الرغم من التقدم التكنولوجي، لا تزال العديد من العمليات العقارية تتم بشكل تقليدي، مثل البحث عن العقارات والتفاوض وإتمام العقود. ويؤدي ذلك إلى:

- بطء الإجراءات وزيادة التكاليف، نتيجة الاعتماد على الأوراق والمعاملات اليدوية.

- تقليل فرص الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحليل السوق وتقديم التوصيات المناسبة للعملاء.

- محدودية انتشار المنصات الرقمية التي تربط بين البائعين والمشترين بشكل مباشر، مما يزيد من الاعتماد على الوسطاء التقليديين دون رقابة كافية.

4- التوجهات الاستراتيجية لتطوير الوساطة العقارية

لمعالجة هذه التحديات، يمكن اتخاذ عدة إجراءات على المستوى الوطني، مثل:

- وضع قوانين وتشريعات واضحة تنظم مهنة الوساطة العقارية وتفرض رقابة صارمة على الوسطاء.

- إنشاء قاعدة بيانات وطنية للعقارات تشمل جميع المعلومات المتعلقة بالسوق وتكون متاحة للوسطاء والمستثمرين.

- تشجيع التحول الرقمي في السوق العقاري من خلال تطوير منصات إلكترونية وإلزام الوسطاء باستخدام التكنولوجيا الحديثة في عملهم.

- توفير برامج تدريبية متخصصة لرفع كفاءة الوسطاء العقاريين وتعزيز معايير الشفافية والمهنية في القطاع.

- إطلاق سجل وطني للوسطاء العقاريين المرخصين لضمان المصداقية والشفافية.تطوير منصات إلكترونية متخصصة لتسهيل عمليات البيع والشراء وتأجير العقارات .

تطوير الوساطة العقارية سيؤدي إلى سوق أكثر شفافية وكفاءة، مما يعزز الثقة بين جميع الأطراف ويجذب المزيد من الاستثمارات إلى القطاع العقاري.

ثالثا : - أعمال المساحةالبنية التحتية لأي تطوير عقاري

أهمية أعمال المساحة في القطاع العقاري هي الأساس الذي يُبنى عليه أي استثمار عقاري، حيث تضمن دقة البيانات الجغرافية للأراضي والعقارات، مما يسهم في تنظيم الاستخدامات، وتحديد الملكيات، وضمان سلامة المعاملات.

كما وتكمن اهمية اعمال المساحة في إعداد المخططات الطبوغرافية، والتي تحدد طبيعة الأراضي ومدى ملاءمتها للبناء. وتحديد الملكيات بدقة، مما يقلل النزاعات القانونية بين الأفراد والمؤسسات. وكذلك تطوير نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، التي تتيح تصورًا دقيقًا لحركة السوق العقاري.

وفي هذا السياق لا بد من التطرق الى العديد من الامور تتمثل ب :

1- التحديات التي تواجه قطاع المساحة

عدم تحديث الخرائط العقارية بشكل دوري، مما يؤثر على دقة البيانات.نقص الكوادر المتخصصة في تكنولوجيا المساحة الحديثة مثل المسح بالليزر والطائرات المسيرة.تداخل الصلاحيات بين الجهات الحكومية المختلفة، مما قد يؤدي إلى تأخير في تنفيذ بعض المشاريع.

2- التوجهات الاستراتيجية لتطوير قطاع المساحة

إنشاء بنك معلومات عقاري رقمي يضم جميع البيانات المتعلقة بالأراضي.إدخال تقنيات المسح الحديثة مثل الطائرات المسيرة والاستشعار عن بعد لتعزيز الدقة. اضافة تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتطوير قواعد بيانات موحدة حول المساحات العقارية.

واخيرا أهمية الشراكة الاستراتيجية بين التقييم، الوساطة، والمساحة

إن تحقيق التكامل بين هذه المكونات الثلاثة يُعد ركيزة أساسية في تطوير القطاع العقاري الأردني، حيث أن:التقييم العقاري يعتمد على البيانات المحدثة من قطاع المساحة لضمان دقة الأسعار.والوسطاء العقاريون يحتاجون إلى تقييمات دقيقة وبيانات مساحة موثوقة لعرض العقارات بشكل صحيح.وكذلك أعمال المساحة توفر المعلومات الأساسية لتحديد حدود الملكيات، ما ينعكس إيجابيًا على معاملات البيع والتقييم.

التوصيات المستقبلية لتطوير القطاع العقاري الأردني

 1- إنشاء منصة وطنية موحدة تضم جميع بيانات السوق العقاري، بما في ذلك التقييم، الوساطة، والمساحة.
2-  تعزيز التشريعات الخاصة بتنظيم عمل الوسطاء والمقدرين والمساحين، لضمان جودة الخدمات.
3-  توفير برامج تدريبية معتمدة عالميًا للعاملين في هذه القطاعات لمواكبة التطورات الحديثة.
4-  تشجيع الاستثمار في التكنولوجيا العقارية (PropTech)، لتعزيز الشفافية وتحسين تجربة المستخدمين.
5-  زيادة التعاون بين القطاعين العام والخاص لضمان تنفيذ استراتيجيات التطوير بفعالية.

وأخيرا يمثل القطاع العقاري الأردني بيئة غنية بالفرص والتحديات، لكنه بحاجة إلى مزيد من التكامل والتنظيم بين مكوناته الأساسية لضمان استدامته. فالتقييم العقاري، الوساطة العقارية، وأعمال المساحة ليست قطاعات منفصلة، بل هي أجزاء من منظومة واحدة يجب أن تعمل بتناغم لتحقيق سوق عقاري أكثر كفاءة وشفافية وعدالة.

ويبقى السؤال الاهم  هل الأردن مستعد لمرحلة جديدة من التطوير العقاري الرقمي الذي يدمج بين هذه المكونات الثلاثة في إطار واحد؟ ليشكل هيئة وطنية سيادية تنظم القطاع  العقاري الاردني  باسواقه المختلفة على غرار التجارب العالمية والاقليمية .

 

مواضيع قد تعجبك