*
الاحد: 07 ديسمبر 2025
  • 20 فبراير 2025
  • 19:53
الكاتب: محمد رجب - سياسي عراقي


يقف العراق عند مفترق طرق، حيث يتشكل مستقبله من خلال التوترات الداخلية والانقسامات الاقتصادية والشكوك السياسية. لطالما كان العراق ساحة معركة للتأثيرات المحلية والدولية، مما يجعل مستقبله شديد التقلب. ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، ستحدد قدرة العراق على التعامل مع هذه التحديات ما إذا كان سيتجه نحو الاستقرار أم سيستمر في التشرذم.

المشهد السياسي: بين السيادة والتأثيرات الخارجية

لا يزال المشهد السياسي في العراق هشًّا، حيث يتمزق بين صراعات السلطة الداخلية والأجندات الإقليمية والدولية المتنافسة. لا يزال التنافس بين إيران والولايات المتحدة يؤثر بشكل كبير على السياسة العراقية، في حين تزيد العمليات العسكرية التركية في الشمال والمصالح الاقتصادية لدول الخليج من تعقيد المشهد. داخليًا، تؤدي الانقسامات بين الأحزاب السياسية والطوائف والمليشيات إلى إضعاف عملية صنع القرار الوطني وإبطاء الإصلاحات.

ورغم الجهود المبذولة لتشكيل حكومة أكثر استقرارًا، فإنها لا تزال تواجه مقاومة من النخب السياسية الراسخة والضغوط الخارجية. وبينما يسعى العراق لتأكيد سيادته الوطنية، فإنه لا يزال عرضة ليصبح ساحة معركة بالوكالة للقوى الكبرى. وإذا استمرت هذه الحالة، فإن الدولة معرضة لمزيد من الضعف، مع استمرار المليشيات والجهات غير الحكومية في التأثير على الأمن والحكومة.

أحد أبرز التحديات التي يواجهها العراق اليوم هو مدى النفوذ الإيراني داخل مؤسساته السياسية والأمنية. فقد لعبت المليشيات والفصائل السياسية المدعومة من إيران دورًا رئيسيًا في تشكيل السياسات العراقية، غالبًا على حساب المصالح الوطنية. وفي هذه اللحظة الحرجة، قد يكون تقليص النفوذ الإيراني – أو حتى قطع العلاقات تمامًا – أمرًا ضروريًا لكي يستعيد العراق سيادته، ويعزز مؤسساته، وينتهج سياسة خارجية مستقلة. بدون هذا التحول، سيظل العراق عالقًا في صراعات إقليمية تعيق استقراره.

الآفاق الاقتصادية: الإصلاح أم الانحدار؟

يعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على النفط، مما يجعله عرضة لتقلبات الأسواق العالمية. وبينما توفر عائدات النفط شريان حياة، فإنها تخلق أيضًا اقتصادًا هشًا يعاني من الفساد وسوء الإدارة وضعف التنوع. ورغم وعود الحكومة المتكررة بالإصلاحات، فإن التغيير الهيكلي لا يزال بطيئًا.

وفي المستقبل القريب، يواجه العراق مسارين محتملين:
   •   أحدهما يشمل الإصلاحات الاقتصادية الضرورية مثل قطع الشريان العراقي المغذي لايران و محاربة الفساد الحكومي و تقليل الاعتماد على النفط، وتحسين البنية التحتية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، مما قد يؤدي إلى تعافٍ تدريجي.
   •   أما الآخر فيتمثل في استمرار عدم الاستقرار المالي، مما يغذي حالة السخط العام ويؤدي إلى اضطرابات متزايدة.

إذا فشل العراق في تنفيذ سياسات فعالة، فقد تؤدي الأزمات الاقتصادية إلى تصاعد الاحتجاجات واتساع الفجوة بين النخب الحاكمة والشعب.

الديناميكيات الاجتماعية: أمة في مرحلة انتقالية

شهد المجتمع العراقي تغيرات كبيرة خلال العقدين الماضيين. 
فقد تركت سنوات الصراع والنزوح والمصاعب الاقتصادية ندوبًا عميقة، لكنها في الوقت نفسه أنشأت جيلًا جديدًا يطالب بالتغيير. بدأت الحركات الشبابية التي تدعو إلى الإصلاحات، ومكافحة الفساد، وتحسين الظروف المعيشية تزداد قوة وتأثيرًا.

ومع ذلك، لا يزال تأثير الجماعات المسلحة والانقسامات الطائفية والأجندات المدعومة خارجيًا يشكل عقبة أمام الوحدة الوطنية. 
وقد يؤدي تصاعد النشاط الرقمي وزيادة الوعي العام إلى تقوية الهوية الوطنية الجماعية، أو إلى مزيد من الانقسامات، وفقًا لكيفية استجابة القادة السياسيين لمطالب المجتمع، بالإضافة إلى الضغوط الإقليمية والدولية.

دور العلاقات الإقليمية والدولية في استقرار العراق

يرتبط استقرار العراق بشكل وثيق بموقعه الجيوسياسي ومصالح القوى الإقليمية والدولية. ولا يعتمد تحقيقه للاستقرار على الإصلاحات الداخلية فحسب، بل أيضًا على كيفية موازنته لعلاقاته مع الدول المجاورة والفاعلين العالميين !
فإذا تمكن العراق من تبني سياسة خارجية محايدة ومستقلة، مع الحفاظ على علاقات بناءة مع الولايات المتحدة وبريطانيا، فقد تزيد فرصه في تحقيق استقرار طويل الأمد .
لكن النفوذ الإيراني الهائل لا يزال يشكل عقبة رئيسية أمام سيادة العراق !
إن قطع العلاقات مع طهران أو على الأقل تقليص اعتماد العراق على دعمها السياسي والعسكري والاقتصادي أصبح أمرًا حاسمًا في هذه اللحظة .
فقد أدى التدخل الإيراني العميق في الشؤون العراقية إلى إضعاف المؤسسات الوطنية، وإذكاء الانقسامات الطائفية، وتحويل العراق إلى ساحة صراع إقليمي .
وإذا اتخذت القيادة العراقية خطوات حاسمة للحد من التدخل الإيراني، فقد يكون ذلك بداية لمرحلة جديدة من الحكم القوي والمستقبل المستقل من النفوذ الايراني .

السيناريوهات المحتملة لمستقبل العراق القريب

بناءً على الاتجاهات الحالية، يمكن أن يتطور مستقبل العراق بعدة طرق:
   •   طريق الاستقرار والإصلاح – إذا أولت القيادة السياسية الأولوية للمصالح الوطنية على التأثير الإيراني، ونفذت الإصلاحات الاقتصادية، وعالجت الفساد، فقد يتجه العراق نحو الاستقرار التدريجي. 
ومن خلال تعزيز المؤسسات والاستثمار في البنية التحتية، يمكن استعادة ثقة الشعب.
   •   استمرار عدم الاستقرار والصراعات الداخلية – إذا استمرت الصراعات السياسية، وسوء الإدارة الاقتصادية، والتدخلات الإيرانية، فقد يبقى العراق محاصرًا في دوامة من الاحتجاجات والعنف وفشل الحكومة، مما يعيق التنمية طويلة الأمد.
   •   زيادة التمزق والصراعات الإقليمية – في أسوأ الحالات، قد يشهد العراق مزيدًا من الانقسامات الطائفية أو الإقليمية، حيث تكتسب الفصائل نفوذًا أكبر من الحكومة المركزية. 
وقد يؤدي ذلك إلى تقسيمات غير رسمية للأراضي واستمرار عدم الاستقرار !
يعتمد مستقبل العراق على كيفية تعامل قادته مع الضغوط الداخلية والخارجية. 
كما أن استقراره مرتبط بعلاقاته مع القوى الإقليمية والدولية، مما يجعل استراتيجيته الدبلوماسية بنفس أهمية الإصلاحات الداخلية.
وفي هذه اللحظة الحرجة، فإن تقليل أو قطع العلاقات مع إيران هو خطوة ضرورية لاستعادة سيادة العراق ومنع المزيد من التدخلات الخارجية. ورغم التحديات، لا يزال هناك مجال للتغيير إذا تم تنفيذ الإصلاحات السياسية، وتعديل السياسات الاقتصادية، وتعزيز الوحدة الاجتماعية.
الأشهر القادمة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل العراق—هل سيبقى أسير الفساد والتبعية لإيران، أم سينهض كدولة أقوى وأكثر استقلالية؟

مواضيع قد تعجبك