تعلو الإتفاقيات الدولية على الدساتير الوطنية التي ينبثق عنها القوانين والتي يصدر بموجبها الأنظمة عند الضرورة والتي تفسّر التعليمات بعض بنودها بشكل تفصيلي.
وكما هو معلوم فإن القوانين تصدر عن مجلس الأمة ويصادق عليها جلالة الملك وتصبح نافذة بعد نشرها بالجريدة الرسمية. وسنتناول بهذه المقالة أنظمة البناء التي كثر ذكرها في الآونة الأخيرة لدرجة أن البعض وصفها حجر عثرة أمام الإستثمار بينما وصفها آخرون بأنها ضابط إيقاع النمو الحضري في المدن.
وبعد أن صدرت أنظمة البناء والتنظيم لمدينة عمّان والبلديات، فسنتوقف عندها من منظور (محايد) لأن كاتب المقال ليس بتاجر عقار ولا موظف بالبلديات وإنما مهندس مختص بالتخطيط الإقليمي والحضري وسيضع بين أيديكم خلاصة القراءة الأولية لهذه الأنظمة لعل وعسى أن يُنتفع بها.
نظام الأبنية والتنظيم (والمشكلة تبدأ بالتسمية فكان الأجدر أن يتقدم التنظيم على الأبنية) صدر في العام 1979 وجرت عليه تعديلات عدة من أهمها النظام رقم (28) لسنة 2018 وهذه الأنظمة وتعديلاتها صادرة بمقتضى المادة (67) من قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية رقم (79) لسنة 1966، وقد يعتقد البعض بأن قدم هذا القانون يضعه خارج إطار التقدم، ولكن الحقيقة هي العكس تماماً حيث يعتبر هذا القانون تقدمياً بإمتياز حيث تحدث عن التخطيط بجميع مستوياته بإستفاضة من تخطيط إقليمي وهيكلي وتفصيلي، وهذا ما غاب عن الأنظمة حديثة الإصدار كما سنقرأ لاحقاً.
وبالعودة إلى نظام الأبنية والتنظيم في كل من البلديات وأمانة عمّان فقد عُدِلت مراراً بناء على ضغوطات من الشركاء بالقطاع من مستثمرين بالإسكان أو بالمجمعات التجارية أو الصناعية لإنتزاع مكتسبات خاصة، وبالمقابل فإن على البلديات أن تمثل المواطن من باب تمثيلها للمصلحة العامة، وكلما كان التوافق وجب الإنسجام.
آخر هذه التعديلات صدرت بموجب نظام رقم (21) لسنة 2019 نظام مُعدل لنظام الأبنية والتنظيم في مدينة عمّان ويقرأ مع النظام رقم (28) لسنة 2018 أي النظام الذي صدرقبله بعام واحد فقط (إنظروا الإستقرار التشريعي) وقد عدّلَ هذا النظام (آخر طبعة) 39 مادة أي أكثر من نصف النظام لسنة 2018 والبالغ عددها (75) مادة.
وبالقراءة الأولية نجد بأن النظام الجديد الذي جاء نتاج حوارات (معمقة) إستضافها المجلس الإقتصادي والإجتماعي مشكوراً نجد ما يلي:
1. النظام المُعدّل يلغي حصرية إعداد المخططات بالمكاتب الهندسية (المادة 24-أ) حيث سمح بإعدادها من قبل (الجهة المخولة بالتصميم) وهذا نص مطاط يمكن إستغلاله من قبل أصحاب المكتبات التي تساعد أو تنوب أحياناً عن طلبة الهندسة بإعداد مشاريع التخرج أو تجار العقار أو من يجد نفسة مخولاً بالتصميم دون أن يعرّف النظام من هي تلك الجهة المخولة بالتصميم.
2. لا يحصر النظام تقسيم الأراضي بمهندسي تنظيم المدن ومهندسي المساحة (المواد 11 و 12 جديد) والباب مفتوح لمن شاء بتنظيم الأراضي، وهنا مكمن لا بل مقتل التنظيم بالمدن الأردنية حيث قسّمت على مبدأ سدر الكنافة وتم وصل الطرق ببعضها ببعض من خلال ما يسمى بالتنظيم، فأصبح لدينا مناطق مكتظة حضرياً بدون إستخدام أمثل للأراضي وتفتقر الى مرافق وخدمات عامة من بيوت عبادة أو مراكز صحية أو مدارس ضمن نطاق خدمة مسموح به وبدون تسلسل هرمي علمي للطرق والمرور.
3. إنتزاع طابق السطح من الشيوع وضمه لمالك للطابق الأخير (المادة 22) وعلى أصحاب الشقق السفلية اللجوء الى البلطجة لتركيب سخان شمسي أو خزان مياه أو لواقط تلفزيون على ما تبقى من السطح بعد أن يكون صاحب الشقة العليا قد ضم نصف السطح تيراس مخصص لحضرته.
4. رفع النسبة المئوية لسكن (أ) الى 39% بعد أن كانت 36% وسكن (ب) الى 45% بعد أن كانت 42% وسكن (ج) الى 51% بعد أن كانت 48% وسكن (د) الى 55% بعد أن كانت 51%، بما يعني توسع الرقعة الخرسانية على حساب التهويات، وقد جرى هذا التغول على الأرتداد من خلال التعديلات المتعاقبة على الأنطمة النافذة.
5. إضافة تنظيم (عالي الكثافة) بمساحة أرض لا تقل عن 1200 متر مربع على (أ،ب،ج،د) المعمول بها منذ عقود بإرتداد (5) متر من جميع الجهات دون تحديد سعة الشارع الذي تقع عليه، هذا بالإضافة الى تقليل مساحة الشقة الى (70) متر، مما يعني تكثيف عمراني بمدينة تعاني من الإزدحام الى حد الإختناق المروري. هذا هو التعديل الأخطر لأنه يغض النظر عن تأمين مهربين متقابلين متباعدين (درج إضافي) حسب ما جاء بكودة الفراغ بالمباني وكودة الوقاية من الحريق.
6. معاملة السكن عالي الكثافة معاملة سكن (أ) و (ب) من حيث عدد مواقف السيارات بواقع موقف لكل (250) متر، بمعنى إلغاء بند (سيارة لكل مسكن) اي أن معظم سيارات هذه العمارة ستصطف بالشوارع.
7. خفض الطول المخصص للسيارة الى (5.25) خمسة أمتار وربع بدلاً من (6) متر، مما يحول دون إصطفاف السيارات العائلية بالمواقف، وتخيلوا المعاناة في المناورة لدحش سيارة بين غابة من الأعمدة.
8. يجوز سقف الإرتداد وتكرار الأسقف بالإرتداد لكل طابقين (المادة 22 أولاً-أ) وقد إنتشرت هذه الظاهرة مؤخراً لدرجة مقلقة بما يعني البناء المتلاصق في كثير من الحالات على غرار الأبنية بالمناطق العشوائية.
9. إشتراط المادة (24 جديد) من النظام المعدل تقديم شهادة مطابقة تنفيذ البناء من قبل المقاول وليس المهندس المشرف للحصول على إذن الإشغال، وهذا التعديل يتعارض مع ما ورد في قانون البناء الوطني رقم (7) لسنة 1993 في المادة (11) منه والتي تنص على عدم منح أذون الإشغال إلا إذا تم تقديم شهادة مطابقة من الجهة المخولة بالإشراف والمصادقة عليها من نقابة المهندسين. هذا التعديل هو تجريد المكاتب الهندسية من أقوى صلاحية كانت تمتلكها، فكيف لمن يبني المنشأة أن يصادق عليها بدون طرف ثالث محايد كان من المفترض أن يكون المكتب الهندسي صاحب الصلاحية بالإشراف.
وإيماناً منا بالمؤسسية فقد قمنا نحن بلجنة ممارسة المهنة النقابية والتي أتشرف برأستها بنقابة المهندسين بالطلب من المعنيين بإستدراك الأمر بإدراج تعديل على التعليمات التي ستصدر بموجب النظام الجديد وإضافة مادة من بندين كما يلي:
أعمال التخطيط على المستويات الإقليمية والهيكلية والهيكلية التفصيلية المقصودة بقانون تنظيم المدن والقرى والأبنية هي من إختصاص مهندسي تخطيط المدن ومهندسي المساحة من خلال مكتب هندسي مرخص لهذه الغاية من قبل نقابة المهندسين.
أعمال التقسيم والإفراز المشار إليها بالمواد (11) و (12) من النظام هي تلك المكاتب الهندسية المرخصة لهذه الغاية من قبل نقابة المهندسين.
هذه التعديلات التي طالبنا بها أثناء النقاشات التي أجراها المجلس الإقتصادي والإجتماعي وتم القفز عنها ببراعة التجار، وعتبنا كبير وكبير جداً على من دفع بإتجاه هذه التعديلات لأنها ستدفع بالبلاد الى الوراء وستكلف الدولة مبالغ إضافية لحل المشاكل المرورية نظراً للتكثيف العمراني الذي سيحصل والذي يتناقض أصلاً من توجه الدولة نحو اللامركزية وتنمية المحافظات والحد من إستقطاب عمّان.
بالخلاصة.... يحق للتجار الإحتفال بالتعديلات وللمواطنين عظم الله أجركم، وعلى المُدن السلام




