*
الثلاثاء: 23 ديسمبر 2025
  • 03 أيلول 2015
  • 13:54
quotسقا الله الحروب زمانquot
الكاتب: آمال عودة
quotسقا الله الحروب زمانquot
عندما اقتديت ملكة فرنسا ماري انطوانيت إلى المقصلة لتنفيذ حكم الإعدام بها، كان جلادوها حريصين أن يسوقوها ببطء شديد نحو (قاطعة الرؤوس) ، لترتشف الموت بطئيا كما فعلت بشعبها، قبل أن يفصل رأسها عن جسدها أمام ألوف من الشامتين بها والناقمين عليها. وفي زمن السرعة والتكنولوجيا يتم إعدام الملايين من (بلاد العُرب) أمام شاشات التلفاز بنفس تلك الطريقة التي أُعدمت بها الملكة المذكورة، علما أن ذنبها كان معروفا، أما نحن فلا نعرف ذنبنا في زمن السرعة الذي صرنا نختزل به أحلامنا، فانحصرت في عدم متابعتنا نشرات الأخبار، لعلنا ننام _بعدئذ_ دون أن نحس بطعنات الضمير، كوننا نمارس حياتنا الطبيعية في حين يصارع آخرون موجات البحر وقوانين الدول المتلثمة بالإنسانية وسمك القرش وتجار الأرواح. بتنا نصم آذاننا عن سماع قصص اللاجئين والقتلى والضحايا، لأننا بكل بساطة نريد أن نتصالح _ولو جزئيا_ مع حياتنا الزاخرة بالصراعات. صرنا نفقأ عيوننا عن رؤية جثث كان من الممكن أن تكون في يوم ما جثننا نحن، هذا التعامي الذي نحترفه والتغابي هو في حقيقة الأمر ليس لقلة جودة إنسانيتنا، بل هو لفائضها وزخمها، غير أن عجزنا يملي علينا أن نسير بين أرتال من الأجساد متظاهرين أنها جزء طبيعي من الحياة التي تعيد توازنها، تلك الأجساد التي كانت يوما ما تحلم بقيلولة تحت شجرة، وبشربة ماء من نهر جار لا يهم من أين ينبع ولا أين يصب. نستفيق على وجع يبرحنا ألما، شقه نصل في صدرنا ليخلف ندبة وجرحا ممتدا منذ ضياع فلسطين، إلى يومنا هذا، حيث نبكي شآما ويمنا وعراقا، نبكيه ونكفكف دموعنا بورق زجاجي لنكتشف أننا خدشنا وجوهنا، ولا بأس طالما أننا نريد أن ننسى؛ ففائض إنسانيتنا يرهقنا ويزهق أرواحنا ويشعرنا بعجزنا وقلة حيلتنا. في حقيقة الأمر لقد تجاوزنا مرحلة الصدمة في متابعة المشهد الدموي، فأغلقنا أفواهنا بعد أن فغرناها دهشة وعجبا، واستطعنا بكل جدارة أن نستوعب الواقع الجديد وبتنا على تقبّل بأن مستقبلنا ليس كما كنا نأمل وبأن الأمرّ قادم. ومن مبدأ الموت مع الجماعة رحمة، وإيمانا بأن ما تلقيه السماء تتلقاه الأرض، صرنا نرتشف جرعات سخرية مريرة، وننتظر أسوأ السيناريوهات وأشدها بؤسا، بينما نلعب (دق هاند أو طرنيب) وإذا ما نظرنا إلى كل ما يحدث اليوم بنظرة تفاؤلية ومشرقة، فإن أروع ما في (القصة) هو تأهب البقية الباقية من الشعوب التي لم يصل البلل لذقنها في حفلة الربيع العربي، واستعدادها لأن تكون غريقة يوما، وأنها لن تجد سفينة نوح لتنجو بنفسها، لسبب بسيط هو أن قائمة المستحيلات لم تقتصر على ثلاثة، بل هي أطول بكثير مما كان يروى لنا. ولا نكون مبالغين إذا قلنا إننا صرنا نحلم بالحروب ذات الطراز القديم، تلك الحروب التي جاء اليوم لنتغزل بها، ونترحم عليها، ليس لأنها أقل دموية من الحروب التي نشهدها اليوم، بل لأنها أكثر رحمة ورأفة بنا، فلا هي تهدر الجثث على الشطآن ولا تخنق الفارين منها في شاحنات تبخل بدخول الهواء إليها، لأنها بكل بساطة تفتك بهم قبل ليلة الهروب أو صبحه. إذا فهي حروب رؤوم تقدّم الموت على طبق من ذهب، موت فجائي سريع يحسم الاختيارات ويقلص حجم المجازفات. حربنا اليوم (مودرن) في كل شيء، أسلحتها وقادتها وإستراتيجياتها لكنها بدائية في سرعتها، هي متواطئة مع الوقت في أن تقضي علينا ببطء وبأسلحة صدئة، ليكون الذبح هذه المرة أكثر فعالية وجودة، لا يكتفي بقطع الشرايين فحسب، بل يقطع معه حبل الأمل والروح. سقا الله على حروب زمان، وين حروب زمان وين حروب هالأيام؟؟!!  

مواضيع قد تعجبك