شاهدت أخيراً فيلم ذيب بعد أن شاهده كثيرون ورحبوا به كما استبشر به خيراً بعض المختصين واعتبروه إنتاجا أردنيا متميزاً من النواحي الفنية بما يضاهي افلاماً جيدة تنتجها شركات الصناعة السينمائية في دول متقدمة، وكنت وانا اشاهده بدعوة من منتدى شومان الثقافي اتوجس خيفة من ألا يرتقي الى مستوى توقعاتي التي بنيتها على ما سمعت عنه ممن شاهدوه واعجبوا به، وللانصاف أقول إنه لم يخب أملي غير أني لفرط سعادتي بنجاحه غضضت الطرف عن بعض هناته كما يفعل أي محب مع حبيبته ، لكني خرحت في النهاية وبداخلي احساس غير مريح بأن ثمة شيئا مهما ينقص هذا الفلم ، وبأن فراغاً ما قد لازم أحداثه ووقائعه، ولم ادرك كنه هذا الاحساس الغامض الذي كان قد أقلقني إلا عندما فاجأتني صديقة احترم آراءها بالسؤال عن المرأة في الفيلم، وكأنما ايقظني سؤالها من غفوتي أو غفلتي لكي اتنبه الى ان المرأة لم يكن لها وجود فيه البتة فقد غابت عنه، صورةً حيةً وواقعاً مُعاشاً ودوراً فاعلاً في شؤون العائلة أو في قضايا المجتمع على حد سواء ، وهو غياب مصطنع لا يمكن ان يحدث في حياة البدو وهم بلا ريب يعتبرونه خطأ فادحاً بكل المقاييس لان المرأة ركن اساسي من اركان كيانهم ومكانتها بينهم تفوق احيانا مكانة المرأة عند أهل المدن والقرى ! كما علينا الا ننسى أن البدو مكوّن من مكونات الشعب الاردني وجزء لا يتجزأ من الدولة الاردنية.. لكن ومع الاسف يبدو أ ن هذه الزلة قد اساءت للفيلم رغم ما بذله المخرج بوسائله البارعة في نقل صورة أمينة للبدو في صحرائنا حتى انه استخدم عدداً من ابنائهم ليقوموا بالتمثيل على سليقتهم فأجادوا وكأنهم كانوا يعيشون حياتهم اليومية المعتادة وبّزوا بذلك الممثلين المحترفين !
وعندما طرحتُ نقيصة غياب المرأة عن مجريات الفيلم، على بعض من لهم علاقة بانتاجه او رعايته لم ألحظ ان الطرح كان ثقيلاً على اسماعهم وكأنهم كانوا يتوقعونه فلم يدافعوا عن تلك النقيصة وإنْ حاولوا لتبريرها اطلاق تفسيرات لم تكن مقنعةً مثل اعتراض بدو المنطقة انفسهم على ظهور النساء في مشاهد الفلم خشية ان تكون على نمط مشاركتها في المسلسلات البدوية التقليدية ! وهو تدخل مستغرب كان ينبغي عدم الاذعان له أسوة بما جرى في الماضي القريب والبعيد عندما صُورّت افلام اجنبية عديدة في صحرائنا شاركت فيها المرأة كما تشارك حقاً وواقعاً في الحياة ، زوجةً واختاً واماً وابنةً وجارةً أو حبيبةً ( ولم لا ؟ )، سواءً كانت ربة للبيت (بيت الشَعَر) او راعية للغنم او مالئة للماء من البئر او حتى حاملة لبندقية تذود بها عن اطفالها وبيتها في غياب الزوجة او الأب.
وبعد.. فأخشى ما اخشاه ان يكون وراء هذا الانكار لدور المرأة قدر من الذكورية الكريهة التي مازالت في القرن الواحد والعشرين تعشش في نفوس البعض منا.. حتى ونحن نعيش معاً حربا لا هوادة فيها ندفع بها أخطار التطرف والتعصب !
الرأي




