*
الثلاثاء: 30 ديسمبر 2025
  • 29 ديسمبر 2025
  • 12:05
الأردن بين الثوابت والمتغيرات معادلة الاستقرار والتنمية
الكاتب: الدكتور زيد احمد المحيسن

منذ نشأة الدولة الأردنية، تشكّلت معادلة دقيقة حافظت على تماسكها في إقليم مضطرب، قوامها ثوابت راسخة ومتغيرات مرنة، تفاعلت معًا لتصون الاستقرار وتفتح نوافذ التنمية الممكنة. فالدول لا تُقاس فقط بقدرتها على الصمود، بل بقدرتها على التكيّف الذكي دون التفريط بجوهرها، والأردن قدّم في هذا السياق نموذجًا يستحق التأمل.

تتمثل الثوابت الأردنية في منظومة قيم ومصالح عليا لا تخضع لتقلب الحكومات ولا لضغوط اللحظة السياسية؛ في مقدمتها الشرعية الدستورية والملكية الهاشمية، والهوية العربية الإسلامية المنفتحة، والوسطية والاعتدال نهجًا في الحكم والسياسة، إضافة إلى الالتزام بالقضية الفلسطينية ورفض مشاريع الوطن البديل، وصون وحدة المجتمع وأمنه. هذه الثوابت شكّلت الإطار المرجعي الذي منح الدولة اتساقًا داخليًا ومصداقية خارجية، ورسّخ الثقة بين المجتمع ومؤسسات الحكم، وهو ما انعكس استقرارًا سياسيًا وأمنيًا في محيط تعصف به الأزمات.

في المقابل، أدرك الأردن مبكرًا أن الجمود ليس فضيلة، وأن المتغيرات ضرورة لإدارة الواقع. فتغيّر السياسات الاقتصادية، وتحديث التشريعات، وتطوير أدوات الدبلوماسية، وإعادة هيكلة الإدارة العامة، كلها متغيرات خضعت لمعادلة المصلحة الوطنية ضمن سقف الثوابت. هذه المرونة مكّنت الدولة من امتصاص صدمات إقليمية كبرى، ومن التكيّف مع تحولات الاقتصاد العالمي، ومن إدارة موارد محدودة بعقلانية سياسية واقتصادية.

إن أثر هذه المعادلة على الاستقرار واضح؛ فالثوابت منحت الدولة مناعة، والمتغيرات وفّرت لها القدرة على الحركة. أما على صعيد التنمية، فقد كان التحدي أعقد، إذ لا يكفي الاستقرار وحده لتحقيق النمو، لكنه شرطه الأول. ومن هنا جاءت مساعي الأردن لتعزيز التنمية المستدامة، وربطها بالإصلاح السياسي والإداري، وتحقيق التوازن بين العدالة الاجتماعية ومتطلبات السوق، في ظل إدراك واقعي لإكراهات الجغرافيا وشح الموارد.

في نهاية المطاف إن تجربة الأردن تؤكد أن الدول التي تحسن تعريف ثوابتها، وتُدير متغيراتها بعقل وازن ، قادرة على الاستمرار والتقدم ولو ببطء محسوب. فالثوابت ليست قيودًا، والمتغيرات ليست تنازلات، بل هما معًا أدوات حكم رشيد حين تُدار ضمن رؤية وطنية واضحة. وفي عالم تتسارع فيه التحولات، تبقى هذه المعادلة هي الرأسمال السياسي الأهم للدولة الأردنية في مسيرتها نحو استقرار دائم وتنمية ممكنة.

مواضيع قد تعجبك