*
الاحد: 28 ديسمبر 2025
  • 28 ديسمبر 2025
  • 19:24
رئيس البلدية تعيين أم انتخاب
الكاتب: م. عمر الساكت

إنَّ الإصرار على طرح خيار تعيين رؤساء البلديات بدل انتخابهم ليس سوى نكوصٍ إلى الوراء وتشبثٍ بعقلية إدارة بائدة لم تعد تليق بدولة تسعى نحو مستقبل مدني ديمقراطي متطور. إن مجرد التفكير بهذا الاتجاه يكشف عن غياب النضج الحضاري لدى أصحاب هذا الرأي، وعن انفصالٍ واضح عن مفاهيم الحوكمة الحديثة التي باتت ترتكز على مشاركة الناس في تقرير مصير مدنهم من خلال حق أصيل لا يُمسّ، وهو حق الانتخاب.

المشكلة ليست في شكل الوصول إلى الرئاسة: منتخبًا أو معينًا. المشكلة الحقيقية تكمن في نضج الناخب نفسه. فبعض الناخبين، وربما كثيرون، يقعون فريسة عاطفة القربى، والتحيز الأعمى، وجمود التفكير، فيبتعدون عن الاختيار الواعي المبني على الكفاءة والنزاهة والرؤية. هنا يكمن الخلل، وهنا يجب أن تكون معركة الإصلاح: إصلاح الوعي، لا مصادرة الحق.

ورغم ذلك، فإن العودة إلى التعيين ليست حلاً، بل هي هروبٌ من مواجهة الحقيقة ومحاولة لستر عيوب المجتمع بوسائل تعيدنا إلى عصور الإدارة التقليدية التي لم تعد تناسب عالم اليوم. إن الدعوة إلى التعيين تعني وبشكل مباشر مصادرة حق المواطن الأردني في المدن بالانتخاب والترشح، ومخالفة للروح الدستورية التي صانت حق الناس في إدارة شؤونهم المحلية بأنفسهم.

إن الذين يروّجون لفكرة التعيين يقفون ضد التيار الذي اختطه جلالة الملك، وهو الارتقاء بالمجتمع نحو دولة مدنية ديمقراطية تُطلق الإبداع والريادة وحرية التعبير، وتؤمن بأن الإنسان القادر على بناء وطنه هو من يجب أن يختار قياداته المحلية بإرادته الحرة.

فليعلم هؤلاء أن زمن الحضانة قد انتهى، وأن المدن لا تُبنى بالعقلية القديمة، وأن المستقبل لا يعود إلى الوراء مهما حاول البعض. المستقبل يُصنع بإرادة الناس، وباختيار الأفضل، وبترسيخ ثقافة المشاركة لا الحجر عليها.

مواضيع قد تعجبك