لا نميمة... دون نمّام، فلماذا يكثر الحديث عن النميمة، ولا ذكر للنمّام، الذي لو صمت لاختفت النميمة بفساد هوائها الذي انما يأتي من فساد بنائها ولا يقوم الا على: الكذب... الادعاء... التشوية... التلاعب بالوقائع... اغتيال الحقيقة... لي رقبة الحقائق... ثم ابعد من هذا يأتي الحسد الذي ينهش في « نفس» النمّام ليصبح هذا الذي لا نتذكره عند احاديث النميمة « آفـه» قاتلة تتغذى على قيم التماسك الاجتماعي عبر المنهج الطفيلي.
فالنميمة من حيث الشكل: عملية نقل ادواتها الكلام، واهدافها التشويه، ووظيفتها انتاج التشاحن والبغضاء، عبر تشويه المعلومات او استيلادها مشوهة او تسميم الوقائع لانتاج مواليد مشوهة، تزرعها في النفوس، بهدف اشباع جوع جراثيم المرض الذي تفتك بنفس النمّام، فهناك من علماء نفس من وصف النمّام بانه مريض بالنميمة، التي يمكن ملاحظتها عبر معالم الحسد والبغض والكراهية التي يحاول النمّام ان يخفيها، حين يسعى لتشويه الآخر او الآخرين الذي غالباً ما يكون او يكونون على تناقض في البناء النفسي معه فالنمّام لا ينم على نمام مثله، لكنه ينم على من خلصت نفسه من الحقد وبرأت من الحسد فيقع حقد وحسد النمّام عليه.
واغرب ما في هذا المرض، انه ليس له اعراض، واقسى ما يكون عليه حال من يصاب به، انه يأبى الاعتراف بانه مصاب، حين يتحصن وراء الظن بانه انما ينقل حقائق ولا يزورها وانه يبين وقائع ولا يلوي عنق احداثها، وانه انما يريد ان يبين لك « او لكم» ما يظن انك «او انكم» لا تعرفون حقيقته عن آخر غائب، ينتهز غيابه ليعمل فيه المعول هدماً وتشويهاً وافتراء وتزويراً بعيداً عن حقائق هي على عكس ما ينقله تماماً. على اي حال... ولدت النميمة من مبتدأها صفة مذمومة على اطلاقها، فهي دائما سلبية النتائج ذلك لان مقدماتها كاذبه... ولقد عرفت المجتمعات الانسانية البدائية النميمة، فكانت هذه النميمة جزءا من علاقات اجتماعية بين الافراد وحتى المجموعات، فالصيغ التي بنتها المجتمعات الانسانية مثل القبائل... او التجمعات اياً كانت اشكالها، استخدمت النميمة اما في النيل من الاخر او لتشويه واقعه، او تشر الاضطراب بين افراد القبيلة الاخرى، على سبيل المثال. وغالباً ما تعاضدت النميمة مع الاشاعة، لتكون الاشاعة ذراع النميمة القادرة على التمدد والامتداد حتى مسافات بعيدة حين يكون هناك حاجة لوسائل نقل النميمة على نطاق ابعد من المحيط القريب، ولم تكن الغيبة لتغيب عن فضاء النميمة ايضا ذلك انه يستحيل بناء جسور النميمة عند غياب اعمدة الغيبة التي تقوم على الطعن بالآخر الغائب، وغالباً ما يأتي هذا الطعن في مواقع ينتج عنها ايذاء شديد، قد يصل الى حالة القتل... « قتل الشخصية «، هكذا فان الترابط القائم بين هذا الثالوث السقيم: النميمة... الاشاعة... والغيبة، يبدو متلاحماً بحيث يمكن القول ان نجاح احدها قد لا يتحصل الا بمساندة الآخر.
إجمالاً... لا ينم النمّام إلا على من هم أفضل منه خلقاً، وأعلى مكانة وأنبل قيماً اجتماعية تكون غالباً مكونات النفس المتعافية من أمراض ضعف الثقة بالنفس والإحساس بالدونية واضطراب الذات وهزال الشخصية، والخوف من استصغار الآخر الذي يأتي الانتقام منه، إما نقل حديث عنه لم يقله بداية... أو نقل الحديث عنه بعد أن يتم تشويهه... على ان تتم عملية النقل هذه الى شخص او اشخاص معنيين بمثل هذا الحديث، من هنا صار مهماً البحث عن النمّام قبل الحديث عن النميمة.
الراي [email protected]




