*
السبت: 20 ديسمبر 2025
  • 27 فبراير 2022
  • 13:48
الميثاق الأخلاقي الرقمي ‏
الكاتب: د. محمود أبو فروة الرجبي
الميثاق الأخلاقي الرقمي ‏

هُنَاكَ انتهاكات كَبِيرَة تحصل من خِلال وَسَائل التواصل الاجتماعي، ولَهَا أشكال عديدة تبدأ من خِلال ‏النقاشات الجدلية البيزنطية الَّتِي يَتِمّ من خلالها كيل كميات هائلة من السباب والشتائم، والتخوين، ولصق أقذع ‏الصفات بالآخرين، وتمر بتشويه سمعة الآخَرِينَ واغتيال شخصياتهم دونَ امتلاك دليل أوْ مَعْلُومَات دقيقة، ‏وتنتهي بخدش الوحدة الوطنية، والإساءة لَهَا، والتحشيد الطائفي، وكل ما لَهُ عَلاقَة بتفتيت الوحدة الوطنية ‏وقتلها. ‏


الإمكانيات الهائلة الَّتِي أعطتها وَسَائل التواصل الاجتماعي لأيّ فرد لِيَقومَ بإنشاء حساب مجاني خاص ‏بِهِ، وإضافة عدد كَبِير من النَّاس إلَيْهِ، وبث ما يُرِيد كتابة، وصوتًا شكلت بيئة خصبة لِمَنْ يُرِيد أن يتنمر عَلَى ‏الآخَرِينَ، ويستعرض عضلاته الكلامية عَلَيْهِم، وبدلًا من أن تَتَمَكَّن هَذِهِ الْوَسائِل من ترقية حوارات النَّاس، ‏وَجَعَلَهَا أكثر أخلاقية  انحدرت بِهَا فِي بَعْض الأحيان إلى القاع. ‏


من هُنا لا بُدَّ من وُجُود ميثاق أخلاقي يتحصن بِالقُوَةِ القانونية، وَمَعْهَا القوة الشعبية، والاجماع من قبل ‏النَّاس كَيْ نقلل من مَخَاطِر هَذِهِ الْوَسائِل، ونعمل عَلَى تعظيم محاسنها، والاستفادة مِنْهَا فِي تقوية الجبهة الداخلية ‏لِلْدولةِ، وبتحسين العلاقات بَيْنَ النَّاس، وترقية الأخلاق الاجتماعية وغيرها. ‏


يُمْكِنُ لأيّ جهة شعبية تمتلك شَرْعِيَّة أخلاقية أن تقترح هِيَ وغيرها هَذَا الميثاق الأخلاقي ومِن الـمُهِم أن ‏يجرم هَذَا الميثاق أي تصرف غير لائِق عَلَى النت، أوْ أن يَعْمَل عَلَى إظهار المسائل الَّتِي لا يَجُوز مسها أبدًا ‏ابْتِدَاء من الوحدة الوطنية، وَمرورًا باعراض النَّاس، وَليْسَ انْتِهَاء باغتيال الشَّخْصيَّة ورمي التهم جزافًا. ‏


لا بُدَّ من مثل هَذا الميثاق الَّذِي يُمْكِنُ أن توقع عَلَيْهِ الشخصيات الوازنة فِي الـمُجْتَمَع، وأن يحصن ‏بِالقانونِ، وَبِالقُوَةِ الشعبية الَّتِي تمنع الانتهاكات السَّيِّئَة، وإذا استطعنا مثلًا أن نعمق من الشُّعُوُر بالأخلاقية ‏الحوارية، أوْ يُمْكِنُ أن نُطْلِق عَلَيْهَا "أخلاق العالم الرقمي". ‏


مَطْلُوب من جهات عديدة فِي مرحلة ما بعْد إقرار الميثاق الاخلافي الافتراضي أن تعمل عَلَى ترسيخ ‏الأخلاقية فِي المزاج الشَّعْبِيّ، فالتجارب العديدة أثبتت أن العرب يَحْتَاجُونَ دائمًا إلى قُوَّة شعبية داخلية لإقناع ‏النَّاس بشيء ما.‏


الغَرِيب أن الأخلاق الدينية فِي مُخْتَلِف الأديان تحث عَلَى الأخلاق فِي التَعَامُل وَعَلَى رأسها عدم الإساءة ‏للآخرين أوْ التَنَمُّر عَلَيْهِم، وَمَع ذلِكَ فإن تأثير هَذِهِ الأخلاق يقل فِي عالم الإنترنت الافتراضي، ولا تحصل ‏المعادلة الَّتِي تَقُول إن الالتزام بالشعائر يَعْنِي بالضرورة الالتزام بالأخلاق، وهَذَا ما نتمناه ونعمل عَليه.‏


لا نُريد أن تتحول وَسَائل التواصل الاجتماعي إلى ألغام تنفجر فِي بلادنا، بَلْ أن تَكُون واحات أخلاق ‏ترسخ الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي.  ‏
 

مواضيع قد تعجبك