*
الثلاثاء: 30 ديسمبر 2025
  • 07 أغسطس 2023
  • 15:46
المعارضة الاردنية الحاكمة
الكاتب: المحامي عبد الكريم الكيلاني
المعارضة الاردنية الحاكمة

يروي النائب صالح العرموطي نادرة لطيفة فيقول :

بعد اجتماع مطول مع الملك اثيرت فيه الارآء الاصلاحية وجرى  نقاش مطول دون سقوف   ، مازح صاحب الجلالة العرموطي قائلا  ، ( ملفك عندي طوله متران ).

عقب على هذه الطرفة الاستاذ كامل السعيد (( انا لي ملف اذا انا موجود ) ) وذلك في امسية سياسية جمعتنا مع النائب  العرموطي في ( بيت خالتي ) حقيقة لا مجازا ، فهي زوجة الشيخ عبدالمنعم الى زنط ( رحمهما الله) .

على مدى عشرة  عقود من عمر الدولة الاردنية تعتبر  نظرية الحكم في التعامل مع المعارضة ، مدرسة ثرية عريقة متفردة باسلوبها.

ولا ينبع  هذا التفرد ، من من المصلحية او البراغماتية المشروعة في السياسة،  لكن مصدر هذا التفرد ، هو ايمان القيادة  بنفسها و بقوتها وقدرتها على اقتحام كل التخوم بصلابة وبأس ، لا مثيل له في دول المنطقة .

في السياق ، يذكر جاك اوكنيل احد المواقف التي أذهلته اثناء عمله في الاردن ، ليس فحسب لانها تكشف عن دهاء رجل المخابرات الاردنية وحنكته   ، و لكن الاهم ،  مكانة الملك في نفوس ابناء شعبه ، حتى لو بلغ نفر منهم   اقصى درجات التطرف في التفكير.

واحيل بذلك لكتابه كاتم اسرار الملك، حول تفاصيل التحقيق مع عدد من الضباط الذين خططوا لانقلاب عسكري، وكيف استطاعت المؤسسة الامنية كشف خيوط المؤامرة بوسائل عبقرية، تدل  على فهم عميق لنفسية المتهم  وعظمة التقدير للمقام الملكي السامي.

الكاتب حمادة فراعنة ، يتناول في مذكرات سياسية  ان الحسين الراحل ، طلب منه ترشيح اسماء مقترحة ، لصياغة الميثاق الوطني ، واغفل فراعنة عن غير قصد ، فصيلا مهما من المعارضة و بعد اطلاع الحسين على الترشيحات وجه فراعنة الى تدارك هذا السهو ، قائلا ( على أقل تقدير ، اعطهم نصيب الرفاق)، قاصدا ان تعبير الرفيق لدى جناح (اليسار ) يقابله الاخ لدى (اليمين الاردني ).

نعم المعارضة في الاردن هي معارضة حاكمة و حامية ، و النظام الذي يوصف بانه ( غير دموي ) في كلاشيه اصبحت مستهلكة لانها لا تفي النظام حقه ، فهو نظام نقدي ، ثوري بطبيعته ، قابل للتغيير و التاقلم  مع اي مطالب ، تحقق مصالح الغالبية العظمى من الرعية 

هذا الكلام ليس نظريا ، وليس قولا مرسلا، فللمعارضة مطالبها ، التي انتصرت على توجهات حكومية ، في مجالات كثيرة اذكر على سبيل المثال لا الحصر معارك لا تحصى في حماية الاسرة ، و السلم المجتمعي  ،وحماية الطبقة الفقيرة وقضية  الكازينو ، والحد من الموافقات الامنية و غيرها وغيرها مما لا يتسع المجال لسرده .

في الاردن ، لا يوجد حالة من العزل  السياسي و لا تقبل نظرية الحكم ، ان تشعر اي طبقة سياسية تعمل على الساحة الاردنية انها مضطهدة او منبوذة .

نظام الحكم في الاردن  لا يتوقف عن الحلم ، ولا يرضى ان يطفأ قنديله في النفوس التي تطلع الى وطن افضل .

و الحلم في الاردن ليس فسحة صغيرة ، بل بيداء واسعة ، يسرح فيها الفرسان ، ومحيط شاسع يبحر  فيه الربان، يخالطه الوجل ربما ، لكن لا يفارقه الامل .

ولا عجب اذا ان يحظى رموز المعارضة بالتكريم على اختلاف صوره و مناسباته .

فالنظام الاردني يدرك خطورة العزل السياسي ، الذي وقعت فيه انظمة اخرى عتيدة ، فانزوت ( طبقة الحكم ) على نفسها وكان لذلك  اثار اجتماعية  و اقتصادية  فاقت الآثار السلبية في الحياة السياسية لدى تلك النظم .

 لقد تنبهت عبقرية الحكم في الدولة  الاردنية لخطورة العزل السياسي ، في مرحلة مبكرة من  تاريخ الدولة ، و لا ابالغ اذا قلت ان ذلك الوعي الناضج ، تلازم مع نشأة الدولة نفسها ،  عروته الوثقى لا ينقضها خطب من الخطوب و لا شدة من الشدائد

مواضيع قد تعجبك