*
الاثنين: 29 ديسمبر 2025
  • 03 أغسطس 2021
  • 18:36
السلط
الكاتب: المحامي عبد الكريم الكيلاني
السلط

حاضرة العلماء و مقصد الاولياء و مرقد الانبياء.

تطل شرفات السلط   على مراكز  روحية عظيمة  ، واعمدة للنور  اضاءت  دروب هذه المدينة المقدسة  ،فكم رفاة نبي ضمت ارضها ، وكم استغاثة  ولي سقت سماؤها، هي العاصمة الروحية للاردن  واحدة من ابرز مدن النور فيه .

و قد وردت  الاحاديث  النبوية في ذكر 

الحوض الممدود  ،وتضمنت الاشارة الى البلقاء :

( حوضي من عدن الى عمان البلقاء ...)

ويباهي  النبي عليه الصلاة و السلام بكثرة الرواد على حوضه عن باقي الانبياء فيقول 

(  ..يباهي الانبياء  ايهم اكثر واردة واني ارجو ان اكون اكثرهم واردة)

واستخلص اهل الفقه و العرفان من ذلك كله ،القيمة الروحية و العلمية للمكان ، فوردوا وردها ، وما انقاه موردا و اطيبه مشربا .

تشير  المصادر التاريخية ، الى الاهتمام العلمي  القديم ، بمدينة السلط ، حيث انشئت في المدينة بالقرن الرابع عشر الميلادي ، الجامعة الاسلامية ، واشرف عليها  سيف الدولة عبد الله بكتمر سميت باسمه المدرسة السيفية ، وهو عالم وفقيه  جليل توفي  في السلط كما تشير بعض المصادر ،

وتبع ذلك اهتمام  الفقهاء بالسلط فتخرج من مدرستها السيفية قضاة و علماء بلاد الشام ، مثل قاضي دمشق و قاضي نابلس و قاضي عكا و قاضي السلط .

كما قصدها الشيخ نعمة الملقب بالصلتي، الفقيه الصوفي ، الذي كان مدرسا في المدرسة   السيفية،وعاش في السلط وفيها دفن ، واقيمت له مراسم التشييع ، وضربت له  في ميدانها الكبير الصولاجانات، و التي كانت تضرب للسلاطين و الولاة في العهد العثماني .


وقد اشتهرت السلط بالعديد من مراقد الانبياء ، من اغلب جهاتها  ، فمقام يوشع عليه السلام ، الذي شيد في  العهد الايوبي ، يطل  على جبال القدس وسفوح فلسطين .

كما يبعد عن هذا المقام بضعة كيلو مترات ، موقع المصلى منطلق جيوش الفتح الاسلامي  يصلون فيه  قبل اتجاههم  الى بيت المقدس ومسجد المصلى  يطل على مقامات ابي عبيدة ، وضرار و شرحبيل بن حسنة عليهم رضوان الله ،

ومن ناحية اخرى مقام النبي ايوب وجواره  جامعة البلقاء ، ومقام النبي جاد او جادور  وجواره  مدرسة السلط .

ومن جهة الجنوب مقام النبي شعيب ، وسمى وادي شعيب 

وفي الطريق اليه عين حزير ،  بجوارها مرقد في جوف كهف  ارضي ، قبلته الى القدس العادة المتبعة في شرعة موسى عليه السلام بدفن الانبياء في الكهوف و المغارات  .

ولا يعرف على الجزم و اليقين 

 ساكن هذا الضريح وفي رواية انه العزير وقد  اقيمت مقابر البلدة على التلال المحيطة وسميت بالعُزيرية نسبة الى عزير ، و يقال ايضا العيزرية، على غرار ناحية مقابلة في القدس .

وقد اولت اللجنة الملكية للاعمار اهتمامها بالمقامات و الاضرحة الدينية ، فاقيمت المساجد ، والمراكز العلمية ، ويرتادها  و لله الحمد ، الاف الزورا و العشاق و المحبين من دول العالم الاسلامي .

ونذكر هنا ان الكسوة الشريفة لبعض المقامات ، يصنعها  المحبون في جنوب آسيا  سنويا و تحاك  يدويا ، فتنسج خيوطها بانامل الشوق و المحبة لتهدى كتعبير عن التعلق الروحي الذي تجاوز حدود المكان من الزورا والرواد 

الذين وردوا مورده.

كيف لا فالسلط ،

لا يفصلها عن القدس حد ، جغرافي و لا وجداني .

وقد بنيت بطابع معماري شديد التشابه  مع القدس ادهش روادها   من المقدسيين 

فتشابه الاسماء و الاماكن بين المدينتين امر لافت كما تقدم ومن ذلك  ايضا موقع الخضر و الميدان  وتشير الخرائط العثمانية الى اعتبار السلط كجزء من اعمال  بيت المقدس .

، واعتاد اهل السلط الصلاة في الاقصى ، كل جمعة ، قبل الاحتلال البغيض 

وقد انشد  الشاعر بهجت الصليبي :

هناك بذلك العلم

 منازلنا من القدم 

ترى عيني مرابعها

 و لا تخطو لها قدمي

في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين قصد المدينة العديد من ارباب الطرق الصوفية :

منهم الشيخ محمد الامين القذف ،كما لقب في البلدة، و اصلها ( الاغظف ) وهو موريتاني  الاصل و ينتمي الى  طريقة صوفية كبيرة ، تقوم على المجاهدة و العمل ، تطبيقا للحديث خير للناس انفعهم للناس ، و قد سمي الشيخ ، محمد امين الكيلاني تيمنا باسمه ، حمل الكيلاني بالفعل لواء التصوف و العمل الخيري وتقلد ارفع الاوسمة الملكية تكريما لجهوده .

كما نذكر منهم الشيخ محمد الانصاري  ، الذي ارتحل من مدينة غدامس الليبية .

وقد اشتهر بقوته الروحية ، ونفوذه الواسع في عالم الماورائيات ، وتروى عنه العديد من المواقف والحكايات الشعبية 

كما جاء عدد من الفقهاء من من المغرب العربي 

الشيخ صالح السنوسي ، وقد اشتغل  بالقضاء وكان من اوائل قضاة الشرع فيها .

ووفد اليها جمهرة كبيرة من العلماء لا تحصى اسماؤهم في القرن التاسع عشر و العشرين .

منهم الشيخ مصطفى الكيلاني القادري مفتي الديار و عالمها امام مسجدها الكبير  ، و الشيخ محمد صالح مريش القاضي و الفقية ، و الشيخ محمد الامين الشنقيطي الذي شغل منصب قاضي القضاة ووزيرا للتربية  و التعليم ودفن في بقيع رسول الله ، عليه الصلاة و السلام .

كذلك كانت البلدة مهبط افئدة الدراويش الجوالين واصحاب الجذب  ( بالمعنى الصوفي )

وهو مقام صوفي رفيع يحمل معنى  الانجذاب الى الحق ، 

من هؤلاء الدراويش .الشيخ بهجت الدمشقي ، الذي كان ياتي البلدة سيرا على الاقدام من دمشق .

و كان الطابع المحافظ في المدينة جزءا من قداستها ، فيذكر الراحل رؤوف ابو جابر  

ان النساء من كافة الطوائف كن يحرصن على الزي الذي يكسو المراة من اعلى الراس حتى القدمين لما تحمله  السلط  من معاني  القدسية و   المكانة الايمانية الواحدة لدى جميع طوائفه، بمختلف معتقداتهم .

وهنا لا بد ان يُذكر الاب اندرو الملقب بابن النجار الذي عمل من خلال مؤسسة المدينة المقدسة وخدم في مدينة السلط قرابة ٤٠ عاما ،

وامضى حياته فيها كعنوان للعمل الخيري للمؤمنين كافة .

في سبعينيات القرن الماضي ، جاء الشيخ محمد الشعراوي ضيفا على البلدة فور دخولها قال :اشتم فيها رائحة النقشبندية، وبالفعل فقد دفن في السلط عدد من اعلام الطريقة النقشية .

هذه اضاءات سريعة لذاكرة المكان ،تكشف عن مكانته الروحية و العلمية ، التي جعلته قبلة ومزارا، يجد فيه المؤمنون من عمارها، قوتًا لقلوبهم، وطمانينة في نفوسهم و سكونا لمهجهم ، من اقاصي افريقا الى جنوب آسيا ومن  اوروبا الى جنوب امريكا ، جاؤوا ليضعوا فيها ،اشواقهم، و لتضع السلط لهم اضعاف ذلك و الله اعلم بما وضعت .

السلط ، 
كيفما تنفس المرء تنشق  عبير الانبياء  ،وكيفما تلفت ، ابصرت مسير الصديقين ، و حيثما تعقبت الخطى سرت على قدم الصالحين .

 ختاما  لابد ان اشير الى اقتباس  مادة المقال من عدة باحثين ولمن  اراد التزود الرجوع لمؤلفات الاستاذ درويش الكاشف ، الاستاذ الدكتور محمد خريسات ، الاستاذ الدكتور عبد الله الكيلاني ،

مدونة هنا السلط.
 

مواضيع قد تعجبك