*
الاربعاء: 31 ديسمبر 2025
  • 01 نيسان 2010
  • 00:00
إن أنت أكرمت اللئيم
الكاتب:
إن أنت أكرمت اللئيم
نتداول عبارة ما دون وعي لدلالاتها ، الى ان يأتي موقف نستدعيها ، فتفاجأنا بما حملته ، كذا كان ذات موقف ، حين استدعيت المثل الذي يقول « ان انت اكرمت الكريم ملكته وان انت اكرمت اللئيم تمردا « وجاءت المفاجأة هنا ليس من منطوق القول ومكونات جمله ، ولكن من دلالات هذه الجمل والصورة التي جاءت عليها بنيتها ، التي حملت التناقض الكبير بين شطريه اللذين جمعا نقيضين . فالحقيقة التي حملها الشطر الاول من المثل صنعتها الذات « الكريمة « في الوقت الذي صنعت الذات « اللئيمة « الشطر الثاني ، وفي حين ان الكرم صفة مبدأية في الذات الانسانية ، فان اللؤم صفة مكتسبة غالباً ما يختارها الانسان وهنا تاتي الدهشة ، دهشة النفوس الطيبة ، كيف يمكن لانسان ان ينحاز الى خيار اللؤم ؟ والبحث عن الظروف و الاحداث التي انتجت هذا المثل ، قد لا تفضي الى نتائج تفتح افاقاً يمكن معها اكتشاف كيف جاءت تركيبة هذا المثل الذي منذ ان تشكلت صيغته ، دخل عبر بوابة الخلود في اللغة وصار استعماله ثابتاً ما ثبت الكرم واللؤم في الحياة . بيد ان مما لا شك فيه ، ان هذا القول الحكيم ، جاء حتماً من ذات كريمة فالذات اللئيمة غير قادرة على انتاج حكمة اياً كان شلكها ، فهذه الذات يصرفها لؤمها عن الوقوع على الحكمة بهذا الالق الذي يضيء في حياتنا مساحات واسعة . على ان منطوق المثل يحمل ايضا مفاجآت اخرى ، توجب الوقوف عندها وقراءتها بوعي وروية وعمق اذا ما اردنا سبر اغواره ولعل ابرز ما نجده في طيات هذا المثل ، الحجم الكبير من الناس الذين ينطبق عليهم هذا القول الحكيم المعبر ، الذين اختاروا التمرد على من اكرمهم ، فتلبسوا صفة التمرد وانحازوا الى موقف اللؤم الذي بدا واضحا حين تنكروا لمن احسن اليهم ، لا بل نجد منهم من تجاوز حال التنكر ليتمادى الى موقف ايذاء من احسن اليه واكرم وفادته واحتضنه او حتى ضحى من اجل راحته . هل نسينا الكريم في خضم قراءتنا لمواقف اللئيم ؟ ابداً ... فقد بقي هذا « الكريم» الفراشة التي تزهو بالوانها التي تبعث في النفوس الامل والرجاء بعدالة قوانين الحياة ، وحرصها على احقاق الحق وانفاذ العدالة ، ففي الوقت الذي يأوي فيه الكريم الى مهجعه هادىء النفس مرتاح البال وقرير العين راض عن الذات ينشر عطره مع نسمات الليل ذو القلب الكبير الصافي وهو على يقين بان عدالة الدنيا ليست على دين اللئيم ولكنها على ديدن الكريم وان نزاهة الحلم هي التي سوف تنصفه حقه ، وتقنص ممن واجه كرمه بلؤم ونكران وان مطلع القصاص هنا هو غياب هدوء النفس وراحة البال والطمأنينة من حياة اللئيم . هكذا ... بين كرم الكريم الذي ان اكرمته فاض عليك حتى جعلك تملكه وبين لؤم اللئيم الذي ان اكرمته تمرد عليك ففاضت نفسه اللئيمة بلؤمها عليك ، بين هذين المتناقضين تقع احداث احياناً يصعب تفسيرها فتبعث في النفوس حيرة حتى لقد يتساءل المرء احيانا قائلاً : لقد احسنت اليه بما عاد عليه بالفائدة ، فلماذا عاد علي بلؤم اذى به نفسه قبل ان يؤذيني؟ هنا يتداعى الى الوعي قول حكيم آخر هو مثل عربي يقول: انك لا تجني من الشوك العنب [email protected] suhahafeztoukan.maktoobblog.com

مواضيع قد تعجبك