*
الجمعة: 05 ديسمبر 2025
  • 28 نوفمبر 2025
  • 17:08
الكاتب: فايز عضيبات

خبرني - فايز عضيبات

تشهد معدلات تأخر الزواج في الأردن ارتفاعا لافتا يفرض نفسه على النقاش العام، ويضع المجتمع أمام أسئلة تتكرر في كل بيت تقريبا: لماذا يتراجع الإقبال على الزواج؟ ولماذا تزداد أعداد العازبين والعازبات عاما بعد عام؟ ورغم اختلاف التفسيرات، تتفق معظم القراءات على أن الظاهرة تتوسع، وأن تأثيرها الاجتماعي أصبح واضحا.

الأرقام تشير إلى اتساع دائرة غير المتزوجين في سن يفترض أن تكون ذروة الاستقرار العائلي. وبغض النظر عن دقة النسب الواردة في التقارير والأبحاث، فإن الشعور العام يؤكد أن الزواج لم يعد خيارا سهلا أو متاحا كما كان قبل عقد أو عقدين. كثير من الشباب يجدون أنفسهم أمام تكاليف تتجاوز قدرتهم، من مهر وتجهيز وسكن ومتطلبات أسرية، بينما تتراجع فرص العمل وتزداد البطالة، وتبقى الرواتب محدودة لا تكفي لبناء أسرة أو بدء حياة جديدة بثبات.

في خضم هذا النقاش، برز خلال الآونة الأخيرة رأي على شكل مقال للسيدة نيفين العياصرة تدعو إلى اعتماد التعدد كحل لمشكلة العنوسة، معتبرة أن فتح الباب أمام هذا الخيار يمكن أن يقلل من أعداد الفتيات المتأخرات عن الزواج. وقد أثار هذا الطرح موجة واسعة من التعليقات والانقسامات على منصات التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض. لكن المثير أن غالبية الردود جاءت من سيداتٍ رأين أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في تعدد الزوجات أو غيابه، بل في الأسباب الاقتصادية التي تحول دون زواج الشباب أصلا. فكما عبّرن، ما جدوى التعدد إذا كان معظم الشباب عاجزين عن الزواج مرة واحدة؟ وكيف يمكن لهذه الفكرة أن تكون حلا بينما ظروفهم المعيشية لا تسمح لهم بتأسيس بيت واحد، فضلا عن تحمل أعباء بيتين؟

هذا الطرح، وما أثاره من ردود فعل، أعاد تسليط الضوء على جوهر القضية ، العائق الأكبر أمام الزواج اليوم اقتصادي قبل أي شيء آخر. فالشاب الذي يواجه بطالة تمتد لسنوات، أو يحصل على راتب بالكاد يغطي مصاريفه الشخصية، لن يكون قادرا على التقدم خطوة باتجاه الزواج مهما تغيّرت القوانين أو تعددت الخيارات. والفتاة التي تريد الاستقرار لا تنتظر “حلا اجتماعيا” بقدر ما تنتظر شريكا قادرا على تحمل مسؤوليات الحياة.

تأخر الزواج لم يعد مرتبطا بقلة الرغبة أو تغير القيم فحسب، بل أصبح نتيجة طبيعية لظروف معيشية صعبة، وتكاليف مرتفعة، وتوقعات اجتماعية لم تواكب التغير الاقتصادي. وبينما تستمر النقاشات حول الأسباب والمخارج، تبقى الحقيقة الأبرز أن أي حل واقعي يجب أن يبدأ من تحسين ظروف الشباب، وفتح أبواب العمل، وتخفيف الأعباء المعيشية، وتبسيط تكاليف الزواج، قبل الحديث عن الخيارات الثقافية أو الاجتماعية الأخرى.

الظاهرة تتطلب فهما هادئا، لا جلدا ولا أحكاما. فالمجتمع الذي يريد أن يعالج مشكلة تأخر الزواج عليه أن يلتفت إلى جذورها الحقيقية، وأن يدرك أن الزواج لا يتعثر بسبب فكرة، بل بسبب حياة صارت أصعب مما يحتمله كثير من الشباب.

مواضيع قد تعجبك