خبرني - ياسر شطناوي
لا يمكن اعتبار الحديث الأميركي عن توقيع ترامب أمرا تنفيذيا لتصنيف بعض فروع الإخوان المسلمين "منظمات إرهابية" منها في الاردن ومصر ولبنان حدثا عابرا في رزنامة السياسة الدولية، بل إشارة ضمن سياق إقليمي أوسع يُعاد فيه ترتيب الخرائط، وتُعاد صياغة تعريفات الحلفاء والخصوم، لكن وقع هذا التحوّل لا يتوزّع بالتساوي على المنطقة والإقليم، فهناك دول تستطيع المناورة، ودول تستطيع المسايرة، ودول — مثل الأردن — يجب أن تدير اللحظة بحسابات معقدة لا تقبل المغامرة.
فالأردن ليس خارج العاصفة، بل في مركزها الجغرافي والرمزي، بعد أحداث 7 أكتوبر تغيّر كل شيء، معادلات الأمن، لغة الدبلوماسية، أدوات التحشيد، وحتى الطريقة التي ينظر بها العالم إلى حركات الإسلام السياسي، الحرب على غزة لم تترك أثرا إنسانيا و جيوسياسيا فقط، بل أعادت إلى الطاولة سؤالا قديما "ما حدود الشرعية السياسية المرتبطة بالأيديولوجيا الدينية؟ ومن يتحمّل كلفتها؟"
في هذا السياق، الأردن لن يدفع أثمان سياسية لصالح جماعة الإخوان المسلمين أو أي امتدادات لها، خاصة بعد قرار الحكومة بحظر أنشطة الجماعة رسمياً في 23 أبريل الماضي، وإغلاق مقراتها ومصادرة ممتلكاتها، بناءً على حكم قضائي سابق صدر عام 2020 اعتبر الجماعة "منحلة" قانونياً، لأن الظروف لم تعد تسمح، ولأن كلفة المجازفة السياسية باتت أعلى من أي مكسب محتمل.
قلنا سابقا أن الأردن دولة تبني استقرارها على فائض وعي لا فائض موارد، وأن أي إشارة ولو ضئيلة لصالح "جماعة موضوعة تحت مجهر دولي" قد تقرأ على أنها محاولة للوقوف في "المنطقة الرمادية".
داخليا، لا يسمح المشهد أيضا بهوامش تجريب إضافية، فالمزاج الشعبي مثقل بالضغوط الاقتصادية، وتوترات ما بعد الحرب على غزة، وحساسية الهوية الوطنية، والحفاظ على العقد الاجتماعي—المبني على الثقة بمؤسسات الدولة، والولاء، والشعور الجمعي بالأمان _ يتقدّم على أي حساب حزبي أو أيديولوجي، ومن ثم فإن السماح بأي تحولات سياسية قد تُفهم كمنح امتيازات لجماعة مرتبطة "بسرديات إقليمية خارجية" سيعد على أنه مخاطرة اجتماعية قبل أن تكون سياسية.
أما على مستوى أمن الوطن، فالأردن دائما لا يتعامل مع السياسة بوصفها سجالات فكرية، بل "كطبقة حامية لهوية مستقرة ومجتمع متماسك" وهذا يعني أن الدولة لن تقبل أن تُختزل أدواتها "بقرارات ارتجالية أو براغماتية قصيرة الأمد" لأن الخبرة التاريخية علّمتها أن منع الانقسام أسهل وأقل كلفة من معالجته بعد وقوعه.
عقل الدولة اليوم أمام لحظة تتطلب وضوحا لا مواربة ، فالانفتاح السياسي لطالما كان مشروعا، والمشاركة الحزبية مكفولة، والتعددية ضرورة، لكن "دون تجاوز حدود الأمن والسلم المجتمعي، ودون التعامل بنعومة مع معادلات فكرية أو تنظيمية " لا تصنع داخل جغرافيا الوطن ولا تُدار وفق مصالحه".
السياسة الاردنية لطالما كانت تتسم بالمرونة التي لم تكن يوما استسلاما، بل"سياسة وعي هادئ" يعرف متى يقترب ومتى يبتعد، لهذا فإن الأردن لا يملك—ولا ينبغي له أن يملك—"رفاهية دفع أثمان سياسية لصالح جماعة الإخوان في هذا التوقيت"، فالدولة لا تُقاس بقدرتها على مجاراة اللحظة بل بقدرتها على حماية المستقبل، والمستقبل الأردني اليوم يتطلب صلابة في الاتجاه وثباتا في الموقف، وتأكيدا على أن الحفاظ على الاستقرار ليس تفصيلا طارئا بل ضرورة وطنية استراتيجية، فالسياسة في الأردن لم تكن يوما ردة فعل، بل فن في إدارة توازنات دقيقة تتجاوز التهديدات الخارجية والضغوط الداخلية إلى ما هو أعمق عنوانه الكبير هو "الحفاظ على وطن قادر على البقاء وصنع المستقبل رغم كل ما يتغير حوله".




