خبرني - في اللحظة التي تحدّث فيها سمو ولي العهد عن السردية الأردنية، كان يؤسّس لمرحلة جديدة من الوعي الوطني، مرحلة تقوم على أن تاريخ الأردن لا يكتبه إلا أبناؤه، وأن الرواية الأردنية يجب أن تُصنع بأيدي الأردنيين أنفسهم، بكل تفاصيلهم وتنوعهم وتجاربهم.
ما شهدته خلال السنوات الماضية يؤكد أن التوجيه الملكي لم يعد مجرّد خطاب، بل أصبح نهجَ عمل يتقدّم بثبات نحو توثيق الهوية الوطنية، وصون الذاكرة الجمعية لهذا الوطن.
ومن موقعي كباحث في قضايا الشباب والأمن والسلام، كان لي شرف توثيق جزء من هذا الجهد في رسالتي للماجستير التي حملت عنوان:
"دور برامج المنظمات الأعضاء في الائتلاف الوطني لقرار 2250 في الحد من الجريمة من وجهة نظر الشباب الأردني".
وهي رسالة لم تكن عملًا أكاديميًا فحسب، بل كانت قراءة واقعية لآثار توجه ملكي تبنّاه سمو ولي العهد، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، منذ عام 2015 عندما وقف في الأمم المتحدة مدافعًا عن حق الشباب في أن يكونوا صُنّاع سلام لا متلقّين للسلام.
وهنا يلتقي البحث بالنهج، ويلتقي العلم بالعمل، ويلتقي التوثيق بالمشروع الوطني الأكبر، وهو مشروع حماية السردية الأردنية بكل تفاصيلها.
فالسردية ليست نصوصًا ولا كتبًا فقط، بل هي فعل يومي يشارك فيه الشعب بكل فئاته. فعندما يوثّق الأردني حدثًا وطنيًا مهمًا، أو ينشر معلومة تاريخية، أو يقدّم محتوى يُعرّف العالم بتاريخ الأردن وثقافته، فهو يضيف خيطًا جديدًا في نسيج هذا التاريخ الذي نحافظ عليه جيلًا بعد جيل.
وهذا ما نراه اليوم في مدونة مؤاب الثقافية التابعة لبلدية مؤاب الجديدة، التي تُعيد طباعة التاريخ، وتحفظ الروايات المحلية، وتوثّق ذاكرة المنطقة من خلال محتوى قائم على مصادر بحثية رصينة، وبجهد يُشكر القائمون عليه.
ولأن السردية الأردنية ليست خطابًا داخليًا فقط، بل نافذة نعبر منها إلى العالم، فقد حملت معي في مشاركتي في منتدى "من الشباب إلى الشباب" في أذربيجان – باكو صورًا للمعالم الأردنية، مثل:
قلعة الكرك الشامخة
البترا إحدى عجائب الدنيا السبع
وادي رم الساحر
العقبة، عروس البحر الأحمر
وادي الريان
تلفريك عجلون بإطلالته المميزة
محمية ضانا وغزلانها
المدرج الروماني بتراثه
أم قيس بأعمدتها الجميلة
وقدّمت هذه الصور لأصدقاء من دول مختلفة، وكانت المفاجأة أن اثنين منهم زاروا الأردن لاحقًا بعد رؤيتهم لصورة واحدة فقط من هذا الجمال. وهذا مؤشر واضح على أن كل أردني قادر على أن يكون سفيرًا لوطنه دون لقب أو منصب، فقط بقدرته على نقل صورة الأردن كما يستحق.
وهذا ما يقوم به شباب أردنيون مؤثرون على مستوى العالم، مثل الرحالة عبدالسلام العجارمة ووسام الخرشة، اللذين حملا الأردن على ظهريهما من قارة إلى أخرى، مقدمين صورة صادقة عن تاريخ هذا البلد وجغرافيته الخلابة.
وكذلك نور المدادحة، الذي يجوب الأردن "عدسة بعد عدسة" ليحفظ جماله، ويقدّمه للناس بطريقة تليق به.
إن السردية الأردنية ليست واجب حكومة فقط، بل هي مسؤولية شعب، وباحث، وشاب، وكل من ينتمي لهذا الوطن.
وكل خطوة نُوثّق فيها حدثًا، أو ننشر فيها معلومة، أو نعزّز فيها صورة إيجابية، نكون قد كتبنا جملة جديدة في كتاب الأردن الذي لا ينتهي، ولن ينتهي.
حفظ الله الأردن، وطنًا وشعبًا وقيادة. ودامت روايتنا الأردنية راسخة، كما أرادها الهاشميون، وحملها الأبناء جيلًا بعد جيل.




