خبرني - تعيش الهدنة الحالية في قطاع غزة مرحلة دقيقة، وسط تبادل الاتهامات بخرقها واستمرار التوتر الميداني في بعض المناطق، ورغم نجاح الوسطاء خصوصا مصر وقطر والأمم المتحدة، في تثبيت وقف جزئي لإطلاق النار، وإنجاز معظم عمليات تبادل الأسرى والقتلى، إلا أن بقاء عدد محدود من الجثث الإسرائيلية دون تسوية نهائية ما يزال يهدد بإشعال الموقف مجددا.
المدخل الأساسي لإنقاذ الهدنة هو المسار الإنساني، فما زالت عشرات الآلاف من العائلات تعيش في مخيمات مكتظة تفتقر لأبسط مقومات الحياة، في ظل عجز المستشفيات عن تلبية احتياجات الجرحى والمرضى، وبات إدخال المساعدات دون قيود وفتح المعابر بشكل منتظم ضرورة لا يمكن تأجيلها، فكلما شعر السكان ببوادر حياة طبيعية تراجعت احتمالات التصعيد.
وفي موازاة ذلك لا بد من تفعيل آلية رقابة دولية فعالة تضمن الالتزام بالاتفاق، فغياب الشفافية في مراقبة الخروقات كان أحد الأسباب الرئيسة لانهيار الهدن السابقة.
ومن شأن نشر مراقبين محايدين على خطوط التماس وتشكيل مركز تنسيق مشترك بإشراف الأمم المتحدة أن يعزز الثقة بين الطرفين ويمنع تكرار الأخطاء الميدانية التي تُستغل ذريعة للتصعيد، لكن التهدئة وحدها لا تكفي إن لم ترفق برؤية سياسية واضحة تعالج جذور الأزمة، فاستمرار الغموض بشأن مستقبل الحكم في غزة يخلق فراغا إداريا وأمنيا قابلا للاشتعال في أي لحظة، ومن هنا تبرز أهمية تشكيل إدارة فلسطينية توافقية بإشراف عربي ودعم دولي، تكون قادرة على إدارة الخدمات والإعمار بشفافية، وتوحيد الجهود نحو استقرار دائم.
إن ربط عملية الإعمار بمدى الالتزام بوقف إطلاق النار يشكل حافزا واقعيا لجميع الأطراف للحفاظ على الهدنة، وإلى جانب ذلك يجب أن تفعل آليات المساءلة الدولية بحق من ينتهك الاتفاق أو يستهدف المدنيين، فالإفلات من العقاب بعد كل جولة قتال جعل الهدنات السابقة مجرد فترات مؤقتة بين حرب وأخرى، كما سيعيد التحقيق في الانتهاكات بعض الثقة بجدية المجتمع الدولي وقدرته على حماية المدنيين، أما الدور الإقليمي فيبقى محوريا، فمصر وقطر أثبتتا خلال الأشهر الماضية قدرة على جمع الأطراف المتنازعة، لكن الحفاظ على هذا الزخم يحتاج إلى دعم أمريكي وأوروبي واضح، يربط الإعمار والتمويل باستمرار التهدئة، ويمارس ضغطا متوازنا على الجانبين لعدم الانجرار مجددا إلى المواجهة.
إن الهدنة في غزة ليست غاية بحد ذاتها، بل اختبار لإرادة الأطراف في تحويل الهدوء المؤقت إلى سلام نسبي يمنح الناس فرصة للحياة، فبدون فتح الممرات ومراقبة نزيهة ومحاسبة عادلة، ستبقى الهدنة حبرا على ورق وسيظل القطاع عالقا بين رماد الحرب وأمل لم يكتمل.




